لقاء "حميمي" بين الرئيسين الفرنسي والروسي اليوم وقائمة الخلافات كبيرة

19 اغسطس 2019
لقاء ثنائي تليه مأدبة عشاء بين الرجلين(دومينيك دجاكوفيتز/فرانس برس)
+ الخط -
يحلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الإثنين، في فرنسا، في زيارة عمل، قبل خمسة أيام فقط من اجتماع "بياريتز" لمجموعة الدول السبع، الذي دُعي إليه قادة دوليون، من بينهم الرئيس الصيني، وتم فيه استثناء الرئيس الروسي.

وتأتي هذه الزيارة بعد زيارة أخرى قبل سنتين، وحظي فيها الرئيس الروسي بوتين باستقبال حافل في قصر فيرساي، وبعد أزمات كثيرة عصفت بالعلاقات الفرنسية - الروسية، والغربية - الروسية.

ويعرف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن روسيا قوة دولية لها تأثير كبير، في عالم متعدد الأقطاب، وبالتالي فإنه يستحيل فعل شيء من دونها، خصوصاً في سورية، وأوكرانيا، وأماكن أخرى، ومن هنا رغبة فرنسا في إرساء "حوار ثقة صارم"، أي حوار نقدي "صريح ومباشر"، بين الطرفين.

وتحاول الرئاسة الفرنسية أن تمنح هذه الزيارة طابعاً أكثر حميمية، إذ إن بوتين سيُستقبل في مقر إقامة الرئيس ماكرون الصيفية، في قلعة بريغانسون، في إقليم "لوفار"، حيث سيلتقي الزعيمان، رأساً لرأس، على أن يلي اللقاء مأدبة عشاء.

ويهدف الرئيس الفرنسي، كما يردد مستشاروه، إلى خلق رباط مع الرئيس الروسي، في أفق لعب دور وساطة، معترف به في لقاء مجموعة السبعة، رغم تغريدات دونالد ترامب الأخيرة، المنتقدة، لأي وساطة فرنسية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

وسيكون لقاء الرئيسين الفرنسي والروسي مناسبة لاستعراض قائمة القضايا التي يوجد خلافٌ حولها بين البلدين، والتي يرغب ماكرون في انفتاح روسي بشأنها، قد يستغله الرئيس الفرنسي ويوظفه في قمة مجموعة السبعة. فثمة المشكلة الأوكرانية الملتهبة، والتي كان ضم الروس لجزيرة القرم، التابعة لأوكرانيا، دافعاً لمجموعة الثماني لإقصاء الروس منها.

وتريد فرنسا أن تستغل روسيا المستجد الأوكراني، المتمثل في انتخاب رئيس جمهورية جديد، وبأغلبية برلمانية جديدة، من أجل إعادة الدفء إلى اتفاقات "مينسك"، والاستجابة لدعوات التهدئة الصادرة من الرئيس الأوكراني الجديد. ثم إن هناك الحرب في سورية، حيث إن الروس يحتفظون بتأثير كبير على مجريات الأمور، وهنا يعوّل الرئيس إيمانويل ماكرون على ممارسة بوتين لضغوط على حلفائه، من أجل الوصول إلى حل متفاوض عليه بين كل أطراف الصراع في سورية.

وفي ما يخص الاتفاق النووي مع إيران، يبدو أن الطرفين متوافقان بخصوصه، بما يعني وجوب التزام كل الأطراف بهذا الاتفاق، ومن هنا طلب الفرنسيين من الروس ممارسة ضغوط على إيران لجعلها تحترم اتفاق فيينا. وبخصوص احتمال وجود وساطة فرنسية، بين الإيرانيين والأميركيين، من أجل خفض التوترات في منطقة الخليج العربي، فإن الروس يشجعونها من حيث المبدأ، ما داموا من موقّعي وضامني الاتفاق النووي بين إيران والدول الست.

وعلى الرغم من أنّ التوتر لا يزال سائداً بين البلدين، فإن الحكومة الفرنسية كانت أكثر حرصاً على تهدئة الأمور واستعادة نوع من العلاقات أقل توتراً، وهذا منذ زيارة الرئيس بوتين سنة 2017، ثم رئيس حكومته، في يونيو/حزيران الماضي؛ كما أن فرنسا، في لفتة سياسية لقيت امتعاض كثير من دول شرق أوروبا، أيدت عودة روسيا إلى مجلس أوروبا، وهي مؤسسة تُعنى بتعزيز الديمقراطية في القارة العجوز.

كما أن الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه، حرص، في تصريحاته الصحافية، على ألا يورط القيادة الروسية في الهجمات الإلكترونية القاسية التي تعرضت لها حركَتُه السياسية، "الجمهورية إلى الأمام" وحملته الانتخابية.

كل هذه الالتفاتات الفرنسية لم تلقَ، كما يرى كل المراقبين الفرنسيين، التقدير الذي تستحقه من الجانب الروسي، عدا إطلاق سراح رجل الأعمال الفرنسي، فيليب ديلبال، المتهم بفضائح مالية، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، قبيل زيارة بوتين لفرنسا.

ولا شك أن حميمية اللقاء بين الرئيسين في إقامة ماكرون الصيفية، ومأدبة العشاء التي ستلي المحادثات، ستلطف من الأجواء، وتفتح بعض آفاق التعاون والحوار النقدي بين البلدين، خصوصاً أن ثمة أشياء تجمع بينهما، ومن بينها احترام القرارات والشرعية الدولية، وفي صلبها الاتفاق النووي مع إيران، ثم بناء عالم متعدد الأطراف، أي منفلت من "الهيمنة" الأميركية.
المساهمون