لغز تسمّم أكثر من ألف تلميذة أفغانيّة

29 سبتمبر 2015
هل يسمح لهنّ ذووهنّ بالعودة إلى الدراسة؟ (الأناضول)
+ الخط -
سُجّلت أخيراً مئات حالات التسمم بين تلميذات إقليم هرات في غرب أفغانستان، قبل أن تمتد وتطاول أقاليم أخرى وتبلغ العاصمة كابول. وثمّة تخوّف من أن تتبع تلك الحوادث أخرى، يكون الهدف منها منع الفتيات من التوجّه إلى المدارس وإشاعة الخوف والذعر في أوساط الأهالي، بحسب ما يلفت مراقبون ومسؤولون.

تدّعي الحكومة المحلية في الإقليم أن جهات أجنبية تقف وراء ذلك، لإحداث هوّة ما بين الشعب والحكومة المحلية وإلحاق الضرر بقطاع التعليم، خصوصاً ذلك المخصص للفتيات، والذي يواجه العديد من العقبات. لكن بعض الناشطين يرون أن أعضاءً في الحكومة المحلية السابقة، ومعظمهم أمراء حرب، وبعض ممن يصف نفسه بـ "قادة الجهاد"، هم وراء هذه الظاهرة إذ إنهم استبعدوا من قبل الرئيس الأفغاني الحالي، محمد أشرف غني.

تشير الأرقام غير الرسمية إلى تسمّم نحو ألف تلميذة في أسبوع واحد، الأمر يوحي بخطورة الظاهرة. كذلك فإن تسلسل الأحداث والتشابه بين بعضها بعضاً، يشيران إلى أن القضية منسّقة للغاية، ولا يمكن لأية جهة القيام بها إلا بدعم من الداخل. أيضاً، امتداد الظاهرة إلى أقاليم أخرى بعدما كانت محصورة بهرات، يطرح تساؤلات حول أداء المسؤولين الأمنيين والجهات المعنية.

من بين الأحداث الأخيرة، حوادث مديريتَي إنجيل وغذري في إقليم هرات مع مئات حالات التسمم بين تلميذات ثلاث مدارس رئيسية في المنطقة، في الوقت نفسه. بحسب مصادر طبية محلية، أكثر من 300 تلميذة نُقلنَ إلى المستشفيات. ويوضح الدكتور، محمد رفيق شيرزي، وهو مسؤول في إدارة الصحة الإقليمية، أن تسمم التلميذات تمّ بواسطة الغازات السامة، وهو ما عرّضهنّ إلى الإغماء بالإضافة إلى التقيؤ.

من جهتها، تقول مسؤولة إدارة الصحة في المديريتَين، فريبا أحمدي، إن للظاهرة آثاراً سلبيّة على التلميذات الأخريات في المدارس، مضيفة أن "الهدف هو إشاعة الذعر بين الأهالي وإبعاد الفتيات عن مقاعد الدراسة". وترى أن "الجهة التي تقف وراء عمليات التسمم نجحت إلى حد كبير في بلوغ هدفها، إذ إن بعض الأهالي اتخذوا قرارات بعدم السماح لبناتهم بالالتحاق بالمدارس خوفاً على حياتهن". وتشير إدارة الصحة الإقليمية في هرات إلى أن حالات التسمم ما زالت تسجّل، في حين أن الحكومة عاجزة تماماً عن معرفة الجهة التي تقف وراء ذلك.

نجلى عطاء، تلميذة من مديرية إنجيل، من بين اللواتي أصبن بالتسمّم. تخبر أن "بعد انتهاء إحدى الحصص الدراسية وخروجنا، شممنا رائحة كريهة داخل مبنى المدرسة. لم أعرف ما الذي حصل بعد ذلك، إذ إنني استيقظت بعد مضيّ يوم كامل وأنا في المستشفى". تضيف: "أشعر بخوف وذعر شديدين، وأكره المدرسة والذهاب إليها". إلى جانب الفتاة، يجلس والدها محمد نديم. يقول: "لا أدري ما الذي يمكن فعله. لي أربع بنات في المدرسة ذاتها، وحياتهنّ أغلى ما عندي". ويسأل: "كيف نمنع بناتنا من الدراسة؟"، مناشداً الحكومة وأجهزة الدولة العمل سريعاً "لكي تقطع الأيادي التي تدمّر حياة بناتنا".

نديم ليس الأب الوحيد هنا، بل ثمّة مئات آخرون باتوا خائفين من جهة على حياة بناتهم إذا واصلن الذهاب إلى المدرسة، ومن جهة أخرى على مستقبلهن في حال مُنعنَ من الدراسة. وفي حين يطالب هؤلاء الحكومة بالتحرّك جدياً وبسرعة ضد المتورطين في القضية، ثمّة من قرّر منع بناته من الذهاب إلى المدارس إلى أن تتحسّن الأوضاع.

تجدر الإشارة إلى أن آخر حوادث التسمم، التي امتدّت إلى كابول، وقعت في مدرسة للفتيات في قلب العاصمة، الأمر الذي أدّى إلى تسمم العشرات.

وبينما تؤكد مصادر طبية أن جميع حوادث التسمم وقعت نتيجة غازات سامة، يقول المتحدث باسم أمن إقليم هرات، عبد الرؤوف أحمدي، إن بعض الحوادث هي بسبب مادة سامة وضعت في خزانات المياه. ويظنّ أن ذلك أتى بعد تعاون بعض التلميذات والمدرّسات مع الجهة المنفّذة. ويلفت إلى أن الحكومة المحلية شكلت لجنة خاصة لكشف تلك الجهة التي ارتكبت "الجريمة النكراء في حق بنات هذه البلاد".

واللافت في القضية هو ادعاء الحكومة المحلية بتورّط أيدٍ أجنبية في القضية، هي نفسها التي كانت تقوم في الماضي بعمليات اختطاف واغتيالات. لكن بفضل الخطوات الأمنية الأخيرة، فشلت في مواصلة تلك الأعمال وتوجهت بالتالي إلى تسميم التلميذات. ويقول نائب حاكم الإقليم، أصيل الدين جامي، إن "الحكومة تعمل على القضية مع أطراف متعددة وتبحثها مع الجهات المعنية". أما الناشط الاجتماعي، محمد وصي، فيظن أن بعض أمراء الحرب، الذين كانت لهم سطوة في الحكومة سابقاً، هم وراء القضية، بعدما استُبعِدوا.

إقرأ أيضاً: أفغانيات قاصرات يُحرَمنَ من الحياة بالزواج
المساهمون