لستُ على أرض

16 أكتوبر 2016
منحوتة "صديقان مفقودان"، ضياء العزّاوي/ العراق
+ الخط -

دلّني الطريق

لوِّحْ لي من أي وجهةٍ تريد؛ وكلّمني عبر الماء وعبر هذه الريح الغاضبة؛ كلّمني بحناجر الطير؛ برنين فناجين؛ بوقع خطى أطفالٍ؛ بعينَيْ عجوزٍ على عتبة باب. كنتُ خالصاً لك وقد تركتني وحدي؛ والآن حدث ما كنتُ أخاف منه أن يحدث. وجّه إليّ وجهك؛ امحُ ذاكرتي؛ أو دلّني على نهر النسيان؛ عُد بي إلى بطن أمي أو باطن الأرض؛ فأنا متضايق بين العدمين.

***


يومًا ما

يوماً ما سأدخلُ هذا النهر
وأخرجُ منه منيعاً.
لا أعرفُ ماذا جرى عليّ
في هذه المدن
ولا أعرفُ أمسي
ولا اليوم.
سأرميكِ جانباً يا ثيابي
ويا أشيائي التي
تحمل مرارة أنفاسي.
سأرميك يوماً ما
سأرميك
وأدخلُ هذا النهـر
لكي أكون منيعاً
أمام لوحي المكتوب.

***


أحياناً

أحياناً أحتاج إلى كائناتٍ من عوالم أخرى تأتي لتنقذني من كل هذا الشرّ؛ وتنقذني من حصار الجغرافيا ومن تخوم الأرض ومن جسدي الآدمي. أنا عاجزٌ عن تغيير ذاتي وعن خُلُقٍ لا تستقيم؛ وقدماي لا تُفضيان إلا إلى أبوابٍ مغلقة. وجدتُ الأرض رحى تطحنني وعرفتُ أنني لست مركز العالم. أحياناً أحتاج إليهم؛ سوف أجدهم يوماً ما وأخبرهم عمّا حل بي في هذه المدن.

***


حديث الباطن

اهدأْ؛ اسكتْ؛ هل يمكنك أن تسكتَ لفترة، أو تُسكِت الكائن الذي لا يكفّ عن تقييم الحياة وعن التخطيط لأمور لا علاقة لك بها؛ دع روح الكَوْن تستمر في أعمالها؛ لأنك لا تستطيع أن تخرج الشمس من شرنقتها في غير موعدها. اهدأْ؛ افرغْ رأسك من الأوهام التي خلقتها؛ روحُك سوف تهدأ؛ سوف يأتي ما ذهب منك؛ سوف يكون كلُّ شيء في قبضتك.

***


أي روحٍ

أيُّ روحٍ خبيثةٍ تملكتني حيث لا أقدرُ أن أقوم بحمل الشمس إلى سريرها؛ ولا أن أساعد الليل أن يوزع الأحلام على النائمين. ليتها تنتهي الظلمات الطويلة هذه؛ وليتني كنتُ قبضة بابٍ أو مرآة تهرم من تلقاء نفسها. أعينوني يا خدام أسماء مقدسةٍ؛ يا أرواح الصابرين يا رفاق أيوب الثلاثة؛ أعينوني واثبتوا معي؛ أو أبيدوا الروح التي تملكتني في هذه الظلمات.

***


لستُ على أرض


لستُ من هذه الأرض ولم أجدْني على أرض. الشمسُ تفرك الأشجارَ ومن علوّ البناية هذه أرى متسوّلين قدامى يتنفسون الصعداء؛ وشخصًا كأنني أسمعه يقول تريّثْ أيّها النهارُ فأنا لا أريد العودة إلى أهلي. لستُ من هذه الأرض؛ كأنّ قاربًا ما جاء بي إلى هنا أو قافلة تجار. ثمّ أسمع ذلك الشخصَ يقول هل أنا من الحُوَيْزة أم من معرة النعمان؛ ويقول فتشتُ عني ولم أجدني على أرض.

***


شخوص

شخوصي يتكاثرون في الآفاق ولم أجد نفسي بينهم. واحدٌ يصارع نفسه بقبول مصيره في الحبّ وآخرُ يكتب رسالة إلى أصحاب الرقيم؛ وآخرون يتسكّعون في المدن ويهتفون بأسمائها العربية. أمشي في طريقٍ وأرى ظلي تارة يتبعني وتارة يمشي أمامي ولم ألحق به؛ وشخوصي لا أعرفُ أين هم؛ في مجاورة امرأةٍ أحببتُ أم على ضفة النهر؛ أم أنهم يتآمرون عليّ في الآفاق.


*شاعر ومترجم من مواليد الأهواز عام 1983

المساهمون