لبنان: "المستقبل" يلجأ لعون لمواجهة محاولة حزب الله تعريته

11 فبراير 2014
لقاء يجمع بين الحريري ورئيس الوزراء المكلف تمام سلام
+ الخط -
اكتشف تيار المسقبل متأخراً، أنّ لا رغبة لحزب الله بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، أو أنّ مسؤولي التيار كانوا على يقين من ذلك، وجاءت التجربة لتؤكد هذه الحقيقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الرئيس سعد الحريري راح يقدم التنازل تلو الآخر. تنازل أخيراً عن مطلب "الحكومة الحيادية"، بعدما سبق أن تراجع عن شعار "لا حكومة شراكة قبل انسحاب جيش حزب الله من سوريا". وقبل هذا وذاك، كان قد تخلّى عن شعار "لا شراكة قبل تخلي حزب الله عن سلاحه"، وقبلها أيضاً "لا اتفاق مع القَتَلة (في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) ومَن يحميهم ويغطيهم". وحتى اليوم، لا يزال الرجل ينتظر قطف ثمار كل هذه التنازلات.
في لحظة إقليمية التقت فيها ملفات عدة كالملف النووي الإيراني ومؤتمر "جنيف 2" والمحكمة الدولية، أقدم الحريري على مدّ يده إلى خصمه الداخلي الأول. أحد السفراء الأوروبيين في بيروت، على اطلاع دائم وتواصل مستمر مع قيادة المستقبل، قال لأحد النواب المستقبليين قبل أيام إنّ "ما كان مطلوباً قبل أسبوعين، هو تهدئة الأوضاع وتهيئتها، لا تسجيل كل هذا التراجع في السياسة". ظهر وكأن عتباً أوروبياً سجلّ على الحريري، لكن ما العمل؟ "this is saad Hariri"، أي: "هذا سعد الحريري"، على حد تعبير السفير، في إشارة منه إلى استحالة فهم خطواته وأسبابها.
ومن جملة أسباب العتب الأوروبي على الحريري تحوّله، في غضون ساعات، من لاعب وزعيم سياسي، إلى رجل أعمال. يهيّئ نفسه لجولة سياسية ماراتونية، فيحضّر طاقمه ومعاونيه وشارعه، لينقلب بلحظة ويتحوّل إلى باحث حثيث عن حلّ بأي ثمن كان، فيظهر وكأنه يشتري الوقت. لكن فعلياً، على الحريري أن يهرب من الوقت الضائع محلياً، من الفراغ الحاصل في الحكومة ومن الفراغ المنتظر في رئاسة الجمهورية. هنا، يعترف نواب "مستقبليون" بأنّ "مصلحة حزب الله تقضي بالمماطلة قبل السماح لحكومة جديدة بالدخول على خط اتّخاذ القرارات، لكون القرارات اليوم بيد وزارئه، وبيد حكومة تصريف الأعمال المحسوبة على فريق 8 آذار".

أكثر من ذلك، وسّع نواب الكتلة تواصلهم مع الأطراف السياسية، فالتقى عدد منهم، بأمر من الحريري، نواباً في "تكتل التغيير والإصلاح"، لمناقشة الملف الحكومي. وبعد هذا اللقاء النيابي، تم التواصل خلال الأسبوع الجاري بين الطرفين على مستوى القيادتين. فَهِمَ المستقبليون أنّ رئيس التكتل، النائب ميشال عون، "كان على حق حين قال إنّ أحداً لم يتواصل مع التكتل لدى انطلاق النقاشات الحكومية الجدية قبل أسبوعين". وبحسب المستقبليين، خلال إعادة المباشرة في الإعداد للحكومة في الأسبوع الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، أكد حزب الله لـ"المستقبل" ولرئيس الجمهورية ميشال سليمان وللرئيس المكلف تمام سلام، أنه سيقود مهمة التواصل مع عون، متعهّداً بـ"إقناع عون بأي تركيبة حكومية في مهلة أقصاها 48 ساعة لدى التوصّل إلى اتفاق على الصيغة".
لكن حزب الله لم يتواصل مع عون ولم يشاوره ولم يضعه في أجواء ما يجري التحضير له. عندها تعقّدت الأمور أكثر. وبعد مباشرة العمل على حلّ عقدة المداورة على الحقائب مع "تكتل التغيير والإصلاح"، ظهرت عقدة أخرى لدى الحزب: التخوّف من الشخصية المستقبلية التي ستتولّى حقيبة الداخلية. عندها فهم المستقبليون أنّ المطلوب إعادة عقارب المفاوضات الحكومية إلى الوراء، وخصوصاً أنّ الحزب أمسك بـ"المستقبل" في مقتل سياسي: وزارة الداخلية.

يعرف تيار الحريري جيّداً أنّ المهمة الرئيسية لوزير الداخلية المقبل ستكون المحافظة على الأمن ومواجهة الإرهاب، والعمل على وقف مسلسل التفجيرات. فهل بإمكان "المستقبل" أن يقود حملة في شارعه "السنّي"، وعلى قسم من شارعه في شمال لبنان تحديداً؟ والملاحظ انّ حزب الله رفض اسمين قدّمهما "المستقبل" لتولي حقيبة الداخلية، وهما اسمين من بيروت، فظهر وكأنّ الحزب يدفع خصمه إلى تسمية شخصية شمالية لجرّها في هذا الصراع داخل الشارع السني.
إذا كان حزب الله قدّ جرّد تيار المستقبل من عناوين سياسية رئيسية، يبدو أنّ الحزب يبحث عن تعرية خصمه بشكل كامل قبل مشاركته في الحكومة، الأمر الذي فهمه "المستقبليون"، وباشروا مهمة التصدي له من خلال فتح قنوات التواصل مع حلفاء حزب الله، علّهم ينجحون في كسر بعض المسلّمات في الحلف المضاد ولو جزئياً... التواصل مع عون مثالاً.

المساهمون