من ذاكرة مدن الشام.. آثار دمشق في تجربتَي عبد الرزاق وخالد معاذ [2]

24 اغسطس 2024
خالد وعبد الزراق معاذ.. وثق الأب والابن مدينة دمشق (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الصداقة والشراكة البحثية بين خالد معاذ وجان سوفاجيه**: بدأت في دمشق عام 1924، حيث نشرا أبحاثاً ودرسا المباني التاريخية. ساهمت الشراكة في توثيق الأزياء والمباني، واحتوت رسالة دكتوراه سوفاجيه عن حلب على مخططات من خالد معاذ.

- **إسهامات خالد معاذ في الفن التشكيلي السوري**: بدأ مسيرته في العشرينيات، عُيّن أستاذاً للرسم وافتتح مشغلاً للأثاث. عمل مدرساً للفنون وأستاذ تاريخ الفن الإسلامي، وأسس الجمعية السورية للفنون عام 1950.

- **مسيرة عبد الرزاق معاذ في مجال الآثار**: تولى منصب مدير عام الآثار والمتاحف في سورية عام 2000، عمل على توثيق أضرار الحرب ورفض مشروع التكية السليمانية. حالياً، يتفرغ للكتابة عن تاريخ العمارة في سورية.

تصادق خالد معاذ مع المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه الذي قدم لدمشق ليعمل في المعهد الفرنسي، حيث كان خالد معاذ موظفاً، وكتب العلامة خير الدين الزركلي ترجمة له في موسوعته: "أتقن العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس. وسافر إلى دمشق سنة 1924 فعمل في المعهد الفرنسي. وعاد إلى باريس سنة 1937 فعين مديراً لدراسات تاريخ الشرق الإسلامي في مدرسة (الدراسات العليا) وأستاذاً في مدرسة اللغات الشرقية، فأستاذاً للفن الإسلامي بمدرسة (اللوفر) سنة 1941 - 1944 ومحاضراً في اللغة العربية بجامعة باريس. وقام برحلات إلى تركيا وفلسطين والعراق وإيران. وكان مع إجادته العربية يحسن التركية والفارسية. وله مؤلفات وبحوث كثيرة بالفرنسية، منها (الآثار التاريخية في دمشق) و(كتابات تدمر) و(الآثار الإسلامية في حلب) و(العمارة الإسلامية في سورية) و(خيول بريد المماليك) و(الآثار الأموية في قصور الشام) ونشر تصحيحاً لنسخة (تاريخ بيروت) المطبوعة سنة 1937 بمقابلتها على نسخة مخطوطة في المكتبة الوطنية بباريس. وترجم إلى الفرنسية كتاب (الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب) المنسوب إلى ابن الشحنة، في جزأين، ونشر كتاباً عن (أخبار الصين والهند) بالعربية وترجمه إلى الفرنسية. وآخر ما قرأناه له بحث في (ضبط أسماء المماليك وألقابهم وتفسير معانيها) نشره في (الجورنال آزياتيك)". 

عن هذا الموضوع وغيره ناقش هذه الأسئلة الدكتور عبد الرزاق معاذ نجل خالد معاذ:

* ارتبط خالد معاذ بعلاقة شخصية وبحثية مع جان سوفاجيه منذ قدوم الأخير لدمشق، ماذا أنتجت الشراكة البحثية بينهما؟
أعطاني ابن جان سوفاجيه رسائل والده لأسرته وتقول أول رسالة له من دمشق: "التقيت بخالد معاذ حال وصولي إلى دمشق". كان سوفاجيه عبقرياً، يتحدث اللهجة الشامية مثل أهلها وله فضل كبير على حقل الدراسات التاريخية والأثرية في سورية والمنطقة على الرغم من موته في سن مبكرة، فقد عاش 49 عاماً فقط. لقد كانت بين سوفاجيه ومعاذ صداقة نادرة وعاشا معاً في قصر العظم بدمشق حيث كان قصر العظم مقراً للمعهد الفرنسي للآثار والفنون الإسلامية الذي تأسس عام 1922. وعندما غادر سوفاجيه دمشق عهد بطلابه من الفرنسيين تحت رعاية خالد معاذ. نشرا معاً الكثير من الأبحاث وقاما بتوثيق ودراسة المباني التاريخية في سورية ودراسة الأزياء وحتى رسالة الدكتوراه لسوفاجيه عن مدينة حلب تجد فيها الكثير من مخططات المدينة من وضع خالد معاذ.

المدرسة الخسروية في حلب من مخططات خالد معاذ (العربي الجديد)
المدرسة الخسروية في حلب من مخططات خالد معاذ (العربي الجديد)

*كان خالد معاذ من رواد الفن التشكيلي السوري، لو تحدثنا عن ذلك؟
البداية كانت في العشرينيات من القرن الماضي، ولك أن تتصور أن يكون المرء فناناً تشكيلياً في نهاية العهد العثماني فالإمكانيات آنذاك محدودة جداً. بدأ والدي مع تأسيس المعهد الفرنسي 1922 وحضر رسام فرنسي مشهور، دوفال، فتتلمذ على يديه وعُيّن والدي أستاذاً للرسم في المعهد الفرنسي وترك المعهد عام 1928 ليفتتح مشغلاً للأثاث سمّاه الفن الإسلامي، وذلك لتقديم تطبيقات عملية على الزخارف الإسلامية ثم أغلقه عام 1931 فعاد للمعهد الفرنسي، ثم عمل مدرساً للفنون في دار المعلمين وأستاذ تاريخ الفن الإسلامي في كلية الفنون ومفتشاً للآثار وخبيراً في المتحف الوطني بدمشق.

نواعير حماة بريشة خالد معاذ (العربي الجديد)
نواعير حماة بريشة خالد معاذ (العربي الجديد)

* أسس في عام 1950 الجمعية السورية للفنون التي كان مقرها في منزله، ماذا عن الجمعية وكيف انتهت؟
نعم، لقد تكاثرت في تلك الفترة الجمعيات وكانت النواة الأولى لتشكيل النقابات، ومن ثم كان عضواً مؤسساً في اتحاد الكتاب العرب ونقابة الفنون الجميلة، واتحاد الفنانين التشكيليين العرب.

لوحة العربة امام التكية بريشة خالد معاذ (العربي الجديد)
لوحة العربة امام التكية بريشة خالد معاذ (العربي الجديد)

* أنت صورتَ دمشق، بماذا تختلف صورك عن صور والدك؟
بدأتُ التوثيق منذ عام 1980 في دمشق وقمت أيضاً بتوثيق بعض المعالم التاريخية في حلب والقاهرة، وقد حاولتُ كثيراً أن أصور المباني التي صورها الوالد لأدرس الفوارق والتغييرات التي حصلت على هذه المباني، وبالتالي النسيج العمراني للمدن.

سوق ساروجة بين توثيق خالد معاذ وابنه عبد الرزاق (العربي الجديد)

 

* اخترت موضوع المدارس في دمشق في العهدين الأيوبي والسلجوقي لدراستك الدكتوراه؟
نعم، كانت فكرة البحث عن هيئة وشكل المساجد والمدارس في العهدين الأيوبي والسلجوقي وكانت الأطروحة بالفرنسية ونشرت منها مقتطفات فقط بالعربية. بعد الدكتوراه انكببت على دراسة حي ساروجا لأنه كان مهدداً بالهدم حيث تقدمت لكرسي الآغا خان في جامعة هارفرد مع أكثر من خمسين باحثاً وحصلت على المنحة مناصفة مع حي موستار في البوسنة.

*ما ظروف تعيينك مديراً عاما للآثار والمتاحف عام 2000؟ وكم بقيت؟ وكيف تُقيّم مرحلتك؟
كان الطلب بأن أكون مديراً للآثار والمتاحف مفاجئاً لي وغريباً، إذ إنني كنت أدرس في جامعة هارفارد وكنت يومها أقضي إجازة الصيف في دمشق ولم أستجب للطلب، ولكن طُلب مني مرة ثانية بعد ثلاثة أشهر، وقيل لي إن الموقع شاغر ولم نجد مديراً عاماً كفوءاً وأنك تستطيع أن تفعل كذا وكذا فقبلت، وكانت المفاجأة بالنسبة لي هو فارق الراتب الهائل حيث كنت أتقاضى بوصفي مديراً عاماً قرابة مئة دولار في حين كان راتبي في هارفارد نحو عشرة آلاف دولار. في تلك الفترة كان هناك حرص على استقدام كوادر علمية مهاجرة فاستُقدم غسان الرفاعي من البنك الدولي وزيراً للاقتصاد، وعصام الزعيم وزيراً للصناعة. كانت أعواماً صعبة في منصب مدير عام الآثار والمتاحف من عام 2000 إلى 2002، ومن ثم معاوناً لوزيري الثقافة لشؤون الآثار، نجوى قصاب حسن ومن ثم رياض نعسان آغا حتى عام 2007، وكانت أكبر التحديات مواجهة مسؤولين لم يكن لديهم وعي بالتراث وضرورة والحفاظ عليه. كانت هناك معاناة وتهديدات وانتهت هذه المرحلة عندي بالمواجهة مع وزير الثقافة رياض نعسان آغا الذي أعلن عداءه للآثار مصرحاً أن الآثار تخنق البلد، ورفع الصفة الأثرية والحماية عن كثير من المواقع المسجلة سابقاً. جرى اجتماع اتُّخذ فيه قرار رفع الصفة الأثرية عن سوق العتيق، وكانت النية هدم السوق فتحفظتُ على القرار خلال الاجتماع وكان هذا آخر أيامي في الوازرة.

* بضغط من؟
كانت الضغوط تأتي من فوق، لا سيما من رئيس مجلس الوزراء محمد مصطفى ميرو ثم خليفته محمد ناجي العطري.

*لم يكن الأسد وزوجته يتدخلان؟
بصراحة لا أريد أن أخوض بذلك بسبب المزيدات، أنتظرُ اللحظة المناسبة لأكتب بموضوعية. كنت ألتقي بشار الأسد وكانت هناك متابعة لعملي، ومع اهتمام أسماء الأخرس منذ عام 2006 بدأتْ المواجهات معها مع زيادة تدخلها على نحو متعب.
سأكتب لاحقاً عن ذلك ويمكن من خلال هذا الأمر فهم سيكولوجية النظام.

* بتقديرك ما تأثير ما جرى في سورية مؤخراً على الآثار؟
اشتغلت كثيراً على الموضوع فأدرت مشروعاً في 2014 في الولايات المتحدة لتوثيق أضرار الحرب على الآثار ومن ثم نُقل المشروع إلى ألمانيا وموّلته مؤسسة ألمانية تعنى بالآثار واستمر حتى عام 2021 ولم يلق الاهتمام اللازم.

* تتحدث عن أن مشروع التكية السليمانية مسيء جداً؟
كان المشروع المطروح مهزلة، وتمكنت خلال إدارتي من رفضه واعتمدنا مكتباً تركياً دولياً لأن الحكومة التركية موّلت المشروع كاملاً، وقامت اليونسكو بقبوله وعيّنتْ مكتباً إيطالياً للمتابعة والإشراف وقد تغير هذا كله، فحلّ محلّه مكتب لبناني مجهول وغير مختص بهذه الأعمال، وأصبح يتعامل مع المبنى من دون أدنى احترام لخصوصيته وطابعه الزمني.

التكية السليمانية في دمشق عام 1956 بعدسة خالد معاذ (العربي الجديد)
التكية السليمانية في دمشق عام 1956 بعدسة خالد معاذ (العربي الجديد)

* عانيتَ من البيروقراطية حين تقدمت بطلب لتعديل شهادة الدكتوراه التي تحملها لتعمل في سورية؟
هذه الحادثة تندرجُ في خانة المضحك ــ المبكي لأني تقدمت عام 1998 وبعض الزملاء الحاصلين على الدكتوراه من جامعات غربية مرموقة لتعديل شهاداتنا فرُفِض طلبي، بحجة أن الموضوع الذي اشتغلنا عليه هو من سورية، واستمر هذا الرفض حتى 2004. هذا نموذج للفساد.

* مشاريعك الحالية
أنا متفرغ الآن للكتابة، انتهينا من كتاب عن مدينة حمص كما ذكرت لك وأعمل أيضاً على كتاب آخر عن ريف دمشق "قبل وبعد"، استناداً إلى أرشيف خالد معاذ مع مقارنات مع أيامنا ترصد التغيرات الطبيعية والبيئية والعمرانية التي حصلت وأدّت إلى تدمير هذا الريف.

المدرسة الركنية في دمشق بين زمنين وجيلين بعدسة خالد معاذ وعبد الرزاق معاذ
المدرسة الركنية في دمشق بين زمنين وجيلين بعدسة خالد معاذ وعبد الرزاق معاذ (العربي الجديد)

كما أعمل على كتب منها مجلدان عن تاريخ العمارة في سورية بالاشتراك مع 82 باحثاً، وكتاب ثان بالفرنسية عن بيوت حلب ودمشق والمقارنة بينهما بالمشاركة مع الباحث الفرنسي جان كلود دافيد المختص بتاريخ حلب.