لبناني فقد نصف جمجمته صعقاً... عامل يمثّل الآلاف

15 اغسطس 2016
عامل في لبنان يتدلّى من عمود الكهرباء(رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -
أحمد شعيب، عامل مياوم (يتقاضى أجرة يومية) في مؤسسة كهرباء لبنان، فقد عينه ونصف جمجمته وتعرض جسمه لحروق خطيرة، بعد تعرضه لصعق كهربائي خلال إجراء تصليحات على عمود للتوتر العالي.

يشرح شعيب لـ "العربي الجديد" أنه لو كان ينتمي إلى أحد الأحزاب الطائفية أو على صلة بوزير أو نائب لكان الوضع مختلفا تماماً، "لكانوا اهتموا بي وقدموا لي تعويضاً مالياً بحجم إصابتي"، لافتاً إلى أنه لم ينل أي تعويض مالي أو معنوي وأنه كان يشحذ دخول المستشفى ليكمل العلاج، وقد وقف أياماً طويلة أمام أبواب النواب والوزراء ومسؤولي أحزاب السلطة. 

ويضيف شعيب أنه أمضى سنة لا يرى أبداً بسبب اهتراء الأعصاب، كما أمضى سنة أخرى لا يستطيع الكلام. وفيما يوضح أن لديه ثلاثة أولاد، يقول بغصة إنه يبكي دائماً كلما عجز عن توفير حاجاتهم، وأنه لم يدخلهم المدرسة العام الماضي بسبب عدم قدرته على توفير الأقساط.

شعيب ليس حالة استثنائية، إذ تم إحصاء 16 حالة وفاة وأكثر من 140 إصابة بين صفوف
مياومي تصليح الكهرباء منذ العام 1999 حتى يومنا هذا. هؤلاء، بشر رحلوا وهم يمدّدون سلك كهرباء أو يصلحون عطلاً، لقي بعضهم حتفه لقاء أجرة بقيمة 8 دولارات يومياً... والمأساة مستمرة.

أطلق على هؤلاء العمال الإداريين والفنيين لقب "مياومين"، لأنهم غير مثبّتين في شركة كهرباء لبنان، لأسباب تتعلق بالتوزيع المذهبي والطائفي لموظفي المؤسسة، وكذا نتيجة الاستهتار الكبير من قبل الحكومات المتتالية بالقوى العاملة اللبنانية مهما كانت المخاطر التي تواجهها.

خاض المياومون معارك عديدة من أجل تحسين ظروفهم، إذ يعملون بلا ضمان صحي واجتماعي، وبرواتب متدنية، بعضهم تثبّت في ملاك مؤسسة كهرباء لبنان مؤخراً، وأغلبهم مرتبط بالشركات المتعهدة الثلاث المتعاقدة مع المؤسسة. وقد تعهّدت الشركات بعد سقوط ضحايا بإقامة دورات تأهيل للعمال كي لا تتكرر الحوادث الماضية، لكنها لم تف بوعدها واستمر الوضع على حاله. حتى أبسط شروط السلامة من عتاد وملابس لم تلتزم بتأمينها.
رئيس لجنة العمال المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، لبنان مخول، يقول إن "الاستهتار لا يتوقف عند سلامة العمال المياومين فحسب. فالهدف الأول هو دخول كل عامل مياوم ملاك مؤسسة كهرباء لبنان. وهذا المطلب محق، فلا يجوز أن يبقى أكثر من 1300 مياوم فني 20 عاماً خارج الملاك. هذه الفترة الطويلة قدم فيها العمال كل طاقاتهم والكثير من الضحايا، وكانت المكافأة تلزيم الجانب الإداري والفني وكل ما يتعلق بخدمة المواطن للشركات الثلاث
الخاصة المتعهدة قبل حوالي 8 سنوات".

ويضيف مخول أن هذه الشركات لم تقدم أية إضافة فيما يتعلق بالسلامة العامة حيث تستمر الإصابات بمعدل قتيل أو اثنين كل عام. كذلك يسقط الكثير من الجرحى أثناء قيام العمال بتمديد الشبكات ورفع الأعمدة وإنجاز العمل، ويشير إلى أن دور الفنيين إيصال الكهرباء للمواطنين والمؤسسات والشوارع، فكل كهرباء لبنان مُدّدت عبرهم، مجدّداً دعوة المعنيين إلى الإسراع بإدخال العمال لملاك كهرباء لبنان.

من جهته، يشير رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبد الله إلى أن الحاصل مع المياومين هو موضوع قديم جديد وشروط السلامة المهنية مفقودة منذ عشرات السنوات، لافتاً إلى أن حقوق هذه الفئة تقابل بالاستخفاف من المعنيين. فـ"المحسوبيات والتحاصص الطائفي يؤديان إلى ما وصلنا إليه.
ويسترجع عبد الله تاريخ هذه الأزمة شارحاً لـ "العربي الجديد" أنه بعد نهاية الحرب الأهلية لزّمت إحدى الشركات الفرنسية إعادة تمديد الكهرباء، وبدورها لزمت الشركة الفرنسية متعهدين لبنانيين للقيام بالحفر والتمديد وتركيب أعمدة الكهرباء، فاستقدموا حينها عمالاً لا يفقهون في الكهرباء وغير مدربين على القيام بذلك، وأرسلوهم للعمل.

ومع مرور الوقت سلمت مؤسسة كهرباء لبنان العمل الفني والإداري لثلاث شركات وترافق ذلك مع سقوط عدد كبير من العمال بين قتلى وجرحى باتوا غير قادرين على الحركة من جرّاء السقوط عن الأعمدة أو التعرض لحوادث صعق كهربائي".

ويضيف أن هذه الشركات مروراً بالمتعهدين ومؤسسة كهرباء لبنان لم تقدم أي جديد يتعلق
بالسلامة المهنية، مستدركاً أن حقوق المياومين لا تتوقف عند شروط السلامة المهنية فقط، فلهم حقوق عديدة أبرزها إدخالهم في ملاك شركة كهرباء لبنان، محملاً مسؤولي الدولة اللبنانية المسؤولية عن عدم احترام حقوقهم. ويختم بالقول إن التحاصص الطائفي والزبائنية والمحسوبيات لا تؤدي إلا إلى ما وصلنا إليه.

وقد حاولت "العربي الجديد" التواصل مع مسؤولة الإعلام في شركة كهرباء لبنان ماري طوق، التي وعدت بتوفير كل المعلومات ذات الصلة، ثم توقفت عن الرد على اتصالاتها.
دلالات
المساهمون