لا عطلة صيفية لأطفال شمال سورية

02 يوليو 2020
الفرص قليلة بالنسبة للأطفال في شمال سورية (أحمد الأطرش/ فرانس برس)
+ الخط -

لن يعيش غالبيّة الأطفال في الشمال السوري أجواء عطلة الصيف كما يجب. فقد سعت بعض المدارس إلى تعويض تلاميذها ما فاتهم، ما دفع بعض المؤسّسات التعليمية إلى إقامة فصل دراسي اختياري في الصيف. ومن لم يلتحق به، لم يجد غير الشارع كمساحة للعب وملء الفراغ، في وقت تغيب المنظمات المعنية بالاهتمام بالأطفال. محمد البيش (11 عاماً) المقيم مع عائلته في الريف الشمالي من مدينة إدلب، يحمل حقيبته يومياً متوجهاً إلى مدرسته. كان يفترض أن يكون فصل الصيف فرصته للراحة. إلا أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها مديرية التربية في إدلب، من خلال تعليق الدراسة طوال فترة الفصل الثاني، وترفيع جميع التلاميذ استناداً إلى نتائج الفصل الأول، وافتتاح فصل دراسي صيفي بهدف إلى مساعدة التلاميذ وتعويض ما فاتهم، غيرت بعض الأمور، وإن كان الالتحاق بالفصل الصيفي اختياريا.

وحين ينتهي دوام المدرسة، يتوجه البيش للعب مع رفاقه في ساحة ترابية على مقربة من المدرسة، بكرة صنعوها بشكل بدائي مما توفر لهم من أكياس نايلون وأقمشة، ثم يتوجه إلى المنزل لتناول الطعام ومراجعة دروسه، ليخرج مجدداً للقاء أصدقائه واللعب في الشارع. وغالباً ما لا يعود إلى البيت إلا مع غياب الشمس، إذ ليس لدى عائلته كهرباء. وتتكرر يومياته على هذا النحو.

ويقول والد البيش لـ"العربي الجديد": "الحمد الله أنّ مديرية التربية افتتحت فصلاً دراسياً صيفياً. على الأقل أصبح هناك شيء إيجابي يشغل ابني يومياً. في المنطقة، قليلا ما تجد ما يشغل الأطفال، كالنوادي أو مراكز تعليم الفنون وغيرها. أعمل منذ الصباح وحتى المساء، ما يحرمني من الجلوس مع الأطفال". قبل الحرب، "كنت أحلم أن أنجب طفلاً وأعلّمه الموسيقى. لكن للأسف، ما إن أصبح يحبو حتى بدأت رحلة نزوحنا من مكان إلى آخر، وأصبح الحصول على رغيف الخبز والماء شغلنا الشاغل".

من يسير في شوارع مخيمات وبلدات ومدن شمال سورية التي تغص بالسكان وغالبيتهم نازحون هاربون من حمم القصف والعمليات العسكرية، من السهل أن يلاحظ تواجد الأطفال بكثافة في الشوارع. ويقول أبو ياسين الإدلبي لـ"العربي الجديد" إن "الشوارع هي المتنفس الوحيد للأطفال في ظل غياب مساحات آمنة أو نواد تؤمن للأطفال قضاء أوقات مفيدة ومسلية فيها". يضيف: "لدي ثلاثة أبناء أكبرهم في الصف الثامن. حظهم جيد هذا العام إذ وجد كل منهم عملا، ما سيوفر لنا دخلا إضافيا في ظل هذا الغلاء الفاحش، كما سيساعدهم على تأمين احتياجاتهم للعام الدراسي المقبل". ويرى أن "العمل اليوم أهم من الذهاب إلى الفصل الدراسي الصيفي، لأنه لن يؤثر على النتيجة النهائية". ويلفت الإدلبي إلى أن أبناءه يقضون يومهم في العمل ويعودون إلى المنزل قبل مغيب الشمس، يتناولون غداءهم، ويمضون المساء في الشارع مع رفاقهم يلعبون كرة القدم أو يجلسون على قارعة الطريق يتبادلون الأحاديث.

الشوارع هي المتنفس الوحيد للأطفال في ظل غياب مساحات آمنة 

 

يبدو الوضع في مدينة بنش في ريف إدلب أفضل من غيرها، بحسب مصطفى رجب. يقول لـ"العربي الجديد": "الفصل الدراسي الصيفي شغل حيّزاً كبيراً من الوقت. في أيام العطل، عادة ما يتوجه الأطفال إلى المسابح، لكن هذا مكلف مادياً. كما يمكن أن يذهبوا إلى الملاعب الرياضية، في وقت يبقى الجزء الأكبر في الشوارع. ولا يوجد في الأحياء حدائق أو مراكز نشاطات للأطفال". يضيف: "في الشوارع، غالباً ما يلعبون ألعاباً تقليدية ككرة القدم أو عسكر وحرامية (لصوص) وغيرها من الألعاب"، لافتاً إلى أن "ألعاب الشارع لا تخلو من العنف، خصوصاً عندما يتقمص الأطفال أدوار الجيش الحر والقوات النظامية".

وحتى في إدلب المدينة، لا يجد الأطفال وسائل ترفيهية. كما أن الأطفال محرومون من متابعة الرسوم المتحركة بسبب انقطاع الكهرباء، كما يقول عامر علي. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه "عندما كنا أطفالاً، كانت أجمل الأوقات هي تلك التي نتابع فيها برامج الأطفال، والتي ما زالت محفورة في ذاكرتنا حتى اليوم، بل ونتمنى أن نشاهدها من جديد. لكننا لا نستطيع أن نتشارك مع أبنائنا المتعة نفسها. هم لا يعلمون عما نحدثهم اليوم، إذ إن غالبية الأطفال الذين بلغوا عامهم السادس أو السابع لم يحالفهم الحظ بمشاهدة فيلم رسوم متحركة. والأوفر حظاً منهم بالكاد شاهدوها". يتابع: "لدى الأطفال وقت فراغ كبير يحتاجون إلى ملئه بأي شيء، وغالباً ما يتم هذا بعيداً عن رقابة الأهل أو أي جهة أخرى. وبالطبع في بلد غير آمن، من الصعب أن نتحدث عن منطقة آمنة للأطفال. غالبية الأحاديث هي عن القصف والموت والدمار". 

صحة
التحديثات الحية

وحتّى المنظمات التي تعتني بالطفولة وتقدم للأطفال بعض نشاطات الدعم النفسي والتفريغ والترفيه، غابت عن غالبية المناطق، كحال مدينة الأتارب في ريف حلب، بحسب عبد الله ملحم أحد أبناء المدينة. يقول لـ"العربي الجديد": "بعد الحملة العسكرية التي شنها النظام والروس على ريفي إدلب وحلب، والتي تسببت بنزوح أكثر من مليون شخص، وإحجام المنظمات عن العمل بحجة أنها مناطق غير آمنة، توقفت الأنشطة بشكل تام". يتابع: "لم يتبق في الأتارب سوى بعض الألعاب كالمراجيح التي يتجمع حولها الأطفال الصغار. أما الأكبر سناً، فينتشرون في الشوارع، حيث لا ضوابط. بعض الأطفال يدخنون أو يعنفون بعضهم بعضاً". ويحذر ملحم من مخاطر أخرى إذ إن غالبية أفراد المجتمع يعانون بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.

المساهمون