لا صلاحيات لهيئة الأمر بالمعروف خلال موسم الحجّ

20 اغسطس 2018
تراجع لصالح أجهزة الشرطة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
منذ الصعود السريع لولي العهد السعودي محمد بن سلمان باتجاه دفة الحكم، بعد وصول والده الملك سلمان بن عبد العزيز إلى العرش عام 2015، اتخذ، بصفته حاكماً فعلياً للمملكة، سلسلة من الإجراءات التي وصفت بالإصلاحية، فاستهدف بعضها تجميد صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية).

كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تُمارس نشاطاتها بشكل كبير في جميع المدن السعودية، وعلى رأسها مدينة مكة المكرمة، إذ تنشط بشكل فعال في موسم الحج، وتتولّى أعمالاً تنظيمية وإدارية بالإضافة إلى عملها الأساسي المتمثل في ملاحقة المخالفين للمقاييس الشرعية التي تحددها التعاليم الدينية للسعودية، التي تقوم على أساس المذهب الوهابي.




لكنّ قرار تجميد نشاطاتها من قبل العاهل السعودي عام 2016 وقصر أعمالها على المكاتب الإدارية ومنعها من التحرك في الشوارع، انعكس بشكل واضح على أعمالها في موسم الحج في العام الذي تلاه، إذ لم يتجول رجال الهيئة ومعاونوهم من المتطوعين في الأماكن المقدسة في الحرم المكي أو الحرم النبوي وبقية المناطق المحيطة، واكتفوا بالبقاء في المكاتب المؤقتة التي بنيت لهم، التي بلغ عددها 42 مكتباً، فوزعوا المطويات الدعوية والدينية، بالإضافة إلى مساعدة الجهات المنظمة على تسيير الحجاج وتنظيمهم.

يقول المدير العام للشؤون القانونية بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عضو اللجنة العليا لمشاركة الرئاسة في الحج، الدكتور خالد بن عبد العزيز الدخيل، لوكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، إنّ الهيئة تعتزم "إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيق عظمة وحرمة المكان والزمان، من خلال برامج توعوية وتوجيهية تقدم لحجاج بيت الله الحرام وفق الهدي النبوي، إلى جانب توعية الحجاج بالعقيدة الصحيحة والتحذير من البدع والمنكرات الزمانية والمكانية، وتحقيق الأمن الأخلاقي للحجاج والمشاركة في حمايتهم من الدعوات والأفكار المخالفة، بواسطة كفاءات مؤهلة وشراكات تكاملية".

لكن، لم تبيّن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عما إذا كانت ستعود إلى العمل الميداني في ملاحقة النساء للتأكد من لباسهن، أو منع بعض الفرق الصوفية التي تتبرك بالقبور والآثار، ومنع الشيعة من زيارة مقبرة البقيع (في المدينة المنورة، تضم العديد من أضرحة أمهات المؤمنين وآل بيت النبي)، إذ إنّ تصريح مدير الشؤون القانونية كان مبهماً.

في هذا الإطار، يقول المحامي والخبير القانوني السعودي، أحمد القرني، لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّ أيام نزول رجال الهيئة إلى شوارع مكة خلال موسم الحج قد ولّت وانتهت، فبات دورهم الآن مقصوراً على التوعية فقط، ومراقبة أيّ خلل وإبلاغ الشرطة أو مكتب إمارة مكة الي ستتخذ إجراءات قانونية اتجاه المخالف، وليس كما حدث سابقاً من فوضى وشجارات بسبب اختلاف زاوية الرؤية بين رجال الهيئة وبين الحجاج الآسيويين والأوروبيين والأفارقة والأميركيين".

يتحدث القرني عن الحج في السنة الماضية الذي كان من دون تدخل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "تمّ الحج بسلاسة ومن دون أيّ خلافات، وحصلت حادثة واحدة فقط تمثلت في قيام بعض الصوفية بأداء رقصات دينية لهم، فأبلغ رجال الهيئة الإمارة التي تدخلت ووجهت لهم إنذاراً بعدم تكرار الفعلة، ولو حدث ما حدث في أيام الهيئة ووجودها لتدخلوا بعنف وقسوة ضد هؤلاء الحجاج وأساؤوا إلى صورة السعودية".

ضايقت تدخلات الشرطة الدينية في السابق كثيراً من وفود الحجاج والمعتمرين، خصوصاً الشيعة ممن يحاولون التبرّك بقبر النبي في المسجد النبوي، وبقبور بعض الأئمة في مقبرة البقيع. وطلبت السلطات الإيرانية من مواطنيها عام 2010 عدم الذهاب إلى العمرة، بسبب الإساءات المتكررة من قبل الشرطة الدينية إلى الحجاج والمعتمرين الإيرانيين، بحسب ما قالت هيئة الحج الإيرانية آنذاك. فقد ذكرت أنّ "الإيرانيين الشيعة لديهم بعض الشعائر المختلفة، ما دفع عناصر من الشرطة الدينية إلى التدخل بعنف أكثر من مرة ضد حجاجنا".

في حال استمرار التجميد المفروض على صلاحيات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العمل الميداني فإنّ هذا يعني أنّ عملهم سيقتصر على توزيع المطويات الدينية وإرشاد الحجاج نحو الأماكن الصحيحة للحج، في ظل مراقبة مشددة من الأجهزة الأمنية لمنع تعديات رجال الهيئة، كما أنّ "المتطوعين" مع الهيئة، الذين لا يعملون فيها، لكنّهم يساعدونها، سيمنعون نهائياً من العمل معها، بسبب تعدياتهم وعدم وجود ترتيب وظيفي يحكمهم.

وبحسب بيانات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي شكلت لجنة خاصة للتعامل مع ملف الحج والتنسيق مع الجهات الأمنية الأخرى، فإنّ عدد العاملين في الهيئة المشاركين في الحج سيصل إلى 1000 عامل، كما أنّ عدد اللجان والمقرات الخاصة بالهيئة ستبلغ 45 مقراً يتراوح حجمها بين المتوسط والكبير.




ويقول المعارض السعودي المقيم في لندن، عمر الغامدي، لـ"العربي الجديد": "عدم مشاركة الهيئة في ملاحقة الناس داخل موسم الحج لا يعني أنّ السلطات قررت أخيراً السماح بالحريات الدينية وخلافه، بل يعود لأسباب سياسية حدثت داخل الرياض وليس لها صلة بموسم الحج، والدليل أنّ الحكومة ما زالت تتدخل إذا ما جرى إبلاغ الشرطة عن وجود أيّ مخالفات تعتقد السلطات بأنّها منافية للإسلام في موسم الحج، خصوصاً أنّ بعض الشعائر الشيعية والصوفية ممنوعة منعاً باتاً في السعودية".