حج الزعماء والرؤساء

20 اغسطس 2018
ترافقت المصالحة الفلسطينية مع أداء العمرة (صهيب سالم/ Getty)
+ الخط -
منذ سيطرة النظام السعودي على مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة في عشرينيات القرن الماضي، بات موسم الحج ورقة رابحة في يد الدولة السعودية لاستمالة الدول والشعوب والقادة والمنظمات السياسية والأحزاب حول العالم، أو لمعاقبتها، كما استخدم ورقة علاقات عامة ولمدّ جسور سياسية مع العديد من قادة الدول، ما أخرجه من دائرة العبادة إلى دائرة السياسة، بحسب مراقبين.

يتوافد سنوياً ملايين من الحجاج من أصقاع الأرض، يرافقهم الآلاف من رؤساء الوفود والشخصيات المرموقة، وفي بعض الأحيان رؤساء الدول، الذين توليهم الحكومة السعودية رعاية خاصة، وتستثمر مجيئهم إلى الحج في العلاقات السياسية الخاصة بها، ما ساعدها على مدّ نفوذها في العديد من الدول.

فور نزول الرئيس من طائرته الخاصة حاجّاً أو معتمراً، يجري تخصيص فريق من المشرفين لنقله إلى الحرم المكي، ثم إسكانه في أحد الفنادق الفخمة المحيطة بالحرم، ثم تعليمه أركان الحج، ليؤدي المراسم في أوقات مخصصة ورفقة حراسة أمنية مشددة، وكل هذا يقع على نفقة السلطات السعودية.




تسري اتهامات كبيرة للسلطات السعودية بوجود تمييز بين الحجاج العاديين وبين الحجاج الرؤساء والزعماء وهو ما يناقض روح الحج الذي يدعو للمساواة بين الجميع، كما أنّ الكثير من الرؤساء لا يحجون أو لا توجه إليهم الدعوة للحج في حال سوء العلاقات بين بلادهم والسعودية، وفي حال تحسن العلاقات فإنّ أول خطوة تقوم بها الخارجية السعودية هي دعوة هذا الرئيس للحج على نفقتها، وهو ما يعني أنّ الأراضي المقدسة ومواسم الحج تتعرض للتسييس.

سبق للخارجية السعودية السماح للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بالحج عام 2007 في إطار محاولة الرياض آنذاك التوصل إلى صيغة تفاهم مع إيران في المنطقة، ليكون أول رئيس إيراني يؤدي مراسم الحج. كذلك، حجّ الرئيس التركي السابق عبد الله غول عام 2013، ليكون أيضاً أول رئيس تركي يحجّ.

يتبنى أحمد سلامة حسن، وهو مطوّف (دليل حج) سبق له العمل في الفريق المخصص لاستقبال الرؤساء والزعماء وجهة نظر أخرى، فيقول لـ"العربي الجديد": "جميع الوفود مهما كانت مناصب أعضائها أو رتبهم تحظى بشرف الاستقبال من قبل حكومة المملكة العربية السعودية، لكنّ الزعماء بسبب موقعهم الحساس ووجود بعض الأعداء والمعارضين، فإنّهم يحظون بمعاملة خاصة من قبل الحكومة، إذ نخصص لهم أماكن خاصة للإقامة ونتولى تنسيق جداول زيارتهم إلى الكعبة أو الوقوف بجبل عرفات أو زيارة قبر النبي في أوقات مخصصة ومختلفة عن أوقات الحجاج العاديين".

يضيف سلامة الذي عمل طوال عشرين عاماً مع الجهات المشرفة والمسؤولة عن الحج وعلى رأسها رئاسة الحرمين الشريفين: "ليس هناك تمييز في هذا، لكنّه لضرورات تنظيمية فقط، والكثير من الرؤساء يرفض أن يتلقى حماية من السلطات، ويطالب أن يكون وحده في الحرم المكي أو أمام قبر النبي، لكنّ هذا غير ممكن لأنّنا لا نريد أن نتحمل تعرض ضيف من ضيوف الله للأذى من قبل معارضيه، فيتحول الحج إلى مهرجان اعتداءات سياسية". وعن حج الرؤساء واستخدام هذا الحج كورقة للسياسة السعودية، يقول سلامة: "لو كانت السعودية تمنع الحجاج من الرؤساء غير الموالين لها، لاستخدموه حجة لهم في الهجوم عليها، أما الدعوى بأنّها تستخدم الحج ورقة سياسية فإنّ هذا لم يثبت بدليل".

من جهته، يتحدث الخبير في تاريخ مكة المكرمة وتاريخ الحج، أحمد باعشن، لـ"العربي الجديد" عن أبرز أسماء الرؤساء الذين حجوا خلال السنوات الأخيرة: "جميع الزعماء الخليجيين حجوا عدة مرات، بل في سنة من السنوات قرر زعماء الخليج كلّهم الحج متوحدين، كما أنّ رؤساء مصر، جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك أدوا الحج أيضاً، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والتركي عبد الله غول وهو ما مثل صدمة للجميع آنذاك بسبب الخلافات السياسية المعتبرة بين السعودية والبلدين".

يقارن باعشن بين حجّ الرؤساء حديثاً وحج الرؤساء قديماً فيقول: "في السابق لم يكن على الجهات التي تتحكم بالحرم المكي أن تخصص أماكن سكن فخمة وضخمة التكاليف للرؤساء بل إنّ الزعماء هم من يتبرعون ويسكنون الناس والحجاج معهم. أما اليوم فالرؤساء لا يسمح لهم بدفع تكاليف حجهم ولا حتى تكاليف أمنهم وتنقلهم، وتتكفل بها السلطات، وهو ما يبدو تبذيراً لأموال المسلمين، ومن باب الأولى دفع تكاليف الحجاج الفقراء". لكن، يتبرع كثير من الزعماء بتكاليف حجهم لبناء مركز أو دار سكن قريبة من الحرم المكي، كما يوزعونها على فقراء الحجاج الآتين من أفريقيا وآسيا، بحسب باعشن.

تمنح السعودية مقاعد حجّ إضافية للرؤساء والزعامات المرضيّ عنهم، إذ منحت مؤخراً عدداً من الفصائل المسلحة في العراق، وعلى رأسها فصائل الزعيم السياسي مقتدى الصدر، الذي تحاول السعودية استمالته، مئات المقاعد الإضافية على المقرر الرسمي، وذلك لاستخدامها في أغراض سياسية.



تجدر الإشارة إلى أنّ نداءات كثيرة وجهت إلى السلطات السعودية من قبل منظمات إسلامية وحقوقية، أبرزها منظمة أصدقاء الإنسان الدولية، لتخليص الحج من أيّ اعتبارات سياسية، ووقف استخدام المناسك المقدسة لأغراض سياسية، سواء بمحاباة بعض الرؤساء والوفود، أو منع حجاج بعض الدول كاليمن وقطر.