جاء قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمطار "تي فور" العسكري في ريف حمص الشرقي، وسط سورية، مساء الثلاثاء الماضي، ليذكّر مجدداً بمرارة شعور العربي، خصوصاً محاولة استغفاله عبر بيانات "السيادة"، و"إسقاط الأهداف المعادية". فالصواريخ العنترية لن تنتج "صفعة" ولا حتى لمس خدّ دولة الاحتلال، بل قتل يطارد سوريي إدلب. ففي سياق السيادة المقزَّمة، ظهر وزير دفاع "الممانعة"، علي عبدالله أيوب، محتقراً من "الانتداب الروسي" لديكتاتور قصر المهاجرين المصرّ على حكم سلالة الأسد لسورية، وبطائفية مقيتة، تهشم الوطنية الجامعة، تدميراً وتهجيراً لنصف السكان وقتل مئات الآلاف. فذات يوم، قبل 6 سنوات، فعلها في العراق نوري المالكي، المصنف اليوم بـ"ممانع ومقاوم"، باستدعاء ما سماه استمرار "المعركة بين أنصار يزيد والحسين"، وبدفاع مستميت عن بشار الأسد.
عليه، ليس مفاجئاً في تفريخ الأنظمة لوحشية طمأنينتها للطائفية فوق الوطنية، أن تجوب العراق فرق موت تغتال ناشطيه وصحافييه. وفي مصر العسكرتارية الأمنية، المدعومة بأموال معروفة، لا مشكلة في غطاء غربي منافق أن يصفّي في السجون من لم يقتل في الشارع.
فالاستقواء ورهن سيادة الأوطان للخارج، ليس حكراً على معسكر واحد في النهج الكارثي، المستهدف مواجهة طلب الشارع لاستقلال وكرامة وحرية البلاد، عبر إصرار نخب وأنظمة على السير نحو كارثية "ملوك الطوائف"، من بيروت إلى دمشق وبغداد فصنعاء، وما بينها من عواصم.
وفي السياق المرتبط بمقدمات انهيار السيادة، ينشغل معسكر الثورات المضادة باستدعاء خرافة "المؤامرة"، المشابهة لوصفة نظام الأسد وقوى شبيهة. فحال "مصر السيسي" ليست أقل ألماً في تقزيم دور القاهرة التاريخي في قضايا العرب، بردّها إلى "مؤامرة قوى الشر".
وسيبقى السؤال عن قوى التحرر والحركات الوطنية، أين دورها في هذه الكوارث؟ من المؤسف والمخجل أن بعضها يعيش انهيارات قيمية وأخلاقية بتبنّي أساليب الأنظمة ذاتها، ومن بينها وأخطرها، قبول الارتهان لهذه وتلك من عواصم التمويل... بل والأكثر إيلاماً أنّ بعض هؤلاء يصفّق مردداً: شعوبنا لا تستحقّ سوى أنظمة ديكتاتورية وفاسدة. مع استثناء جيل شباب ثائر، انظروا في مشهد ورثة "المعارضات" لتكتشفوا عملياً حجم المأزق الذي يعيشه عرب بداية العقد الثاني من الألفية الثانية.
وعلى الرغم من ذلك، أكان في بيروت أو بغداد والخرطوم وتونس وبقية العواصم، ثمة ما لا تدركه تلك الأنظمة و"المعارضات"... لقد تغيّر العربي الشاب وما عاد يزن كرامته بميزان رثّ، جُرّب لعقود.