30 يونيو 2016
لا تتركوه وحيداً
لم يتعب صيام نوارة، والد الشهيد نديم نوارة (17 عاماً)، الذي قتلته طلقات قناص صهيوني، وهو يحمل حقيبته المدرسية، قرب معسكر عوفر، في 15مايو/ أيار 2014. كان الشهيد يحيي مع مئات من الشبان الذكرى الـ 66 للنكبة، لم يكن يشكل خطراً على الجنود. أنكر المحتلون، كالعادة، هذه الحقيقة، وادعوا أن الجندي كان يدافع عن نفسه، لكن كاميرات المحلات المجاورة لمكان الاستشهاد كشفت الحقيقة كاملة، فاضطر الاحتلال لاحتجاز الجندي، بعد ستة أشهر من واقعة القتل، لكنه عاد وادّعى أن الرصاصة التي أطلقت على نوارة كانت من المعدن المغلف بالمطاط، لكن تشريحاً لجثة الشهيد كشف أنها رصاصة حقيقية وقاتلة، ما أجبر الاحتلال على إعادة محاكمة الجندي. لم يكن ليحدث هذا كله، لولا تفرغ والد الشهيد الذي لم يتعب، ولم ييأس، وهو يتحمل مماطلات المحكمة، وتأجيلاتها القضية.
"كرّست حياتي منذ رحيل ابني لكشف حقيقة استشهاده. بعت سيارتي وصالوني للحلاقة، وبثمنهما ذهبت إلى أميركا لأشرح جريمة قتل ابني للمجتمع الأميركي، حيث قابلت رجال دين مسيحيين ونواباً وإعلاميين وجمعيات لحقوق الإنسان".. هكذا كرّر الوالد القول لوسائل الإعلام، الوالد العنيد وحده يقاتل بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو يتنقل من بلد إلى بلد، دفاعاً عن قضية ابنه، وشرحا لظروفها وفضحاً للقتلة، وداعيا إلى التضامن معه، ومع قضية شعبه.
لا أدري إن كان الوالد يشكو من قلة الدعم الشعبي والمؤسساتي الفلسطيني أم لا، لم أسمعه يصّرح بذلك، لكنه تكلم كثيراً عن الترهل وعدم المتابعة واليأس وبيروقراطية بعض أجهزة الأمن الفلسطينية. ألاحظ أن الرأي العام الفلسطيني، والرسمي، لا يلتفّ، كما هو مطلوب، حول قضية الشهيد نوارة. لا تهتم الصحافة الفلسطينية كثيراً، ولا تعتبر القضية قضية رأي عام، تنشر أخبار الجلسات بشكل موحد من دون تفصيلات أو متابعات، ومن دون أن ترسل مراسلاً لإجراء مقابلات وتحقيقات حول القضية، ربما يعود ذلك إلى مناخ الهزيمة الداخلية واليأس الذي يطبق على كل مناحي المجتمع الفلسطيني.
علينا جميعاً أن نخرج من الإحساس بالعجز عن عمل شيء. صحيح أن الاحتلال، بمحاكمه وقضائه، يكذب ويماطل. لكن، في الوسع إحراج القانون الإسرائيلي، وحشره في الزاوية، لو ثابرنا وصمدنا وبذلنا جهوداً كبيرة في البحث عن أدلة ملموسة للجرائم الاحتلالية. يتحدث الوالد العنيد عن عراقيل وصعوبات عديدة وضعها الاحتلال أمامه لوقف حملته، فمنع من الحصول على تصاريح دخول القدس، لحضور جلسات المحكمة، ويفكّر الآن في رفع دعوى على الاحتلال في محكمة العدل العليا، لرفع المنع عنه، لكنه يتحدث، هنا، عن الحاجة إلى آلاف الدولارات التي يحتاجها أتعاباً للمحامي، وقد تم تهديده شفوياً من ضابط إسرائيلي في المحكمة "إياك أن تتجاوز حدودك، ابنك تجاوز حدوده وأنت تعرف ماذا حدث له". ألا يدعو هذا إلى حملة تضامن شعبية فلسطينية، والتفاف إعلامي وطني، ودعم من مؤسسات السلطة الوطنية، ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية العربية.
محظور تحول قضية نديم الشهيد نوارة إلى قضية أب فلسطيني فقد ابنه في مظاهرة قديمة. ليس هناك مظاهرة قديمة وجديدة، هناك مظاهرة ضخمة واحدة، مستمرة منذ 1948 ضد الاحتلال، كل أب في فلسطين معرّض لفقدان ابنه في مظاهرة، على كل أب فلسطيني أن يفكّر بهذه الروحية. الألم واحد، واحتمال الفقد موزع بعدالةٍ بين الآباء الفلسطينيين، ممنوع التعامل مع قضايا الشهداء على أنها فجائع فردية، لا تتركوا الوالد الحزين، صيام نوارة، وحده في معركة كشف حقيقة استشهاد ابنه، الخلل الكبير في المجتمع الفلسطيني هو المناخ الذي طالما حذّر منه والد الشهيد: اليأس والإحساس بلا جدوى أي تحرك قانوني ضد الاحتلال، هناك دوما إمكانية لفضح الاحتلال قانونياً، ما دام هناك إيمان ومثابرة ووعي قانوني وجهود.
صيام نوارة، والد الشهيد نديم نوارة، درس مشرّف في المثابرة والإيمان والوعي. فلنحفظ اسمه غيباً.
"كرّست حياتي منذ رحيل ابني لكشف حقيقة استشهاده. بعت سيارتي وصالوني للحلاقة، وبثمنهما ذهبت إلى أميركا لأشرح جريمة قتل ابني للمجتمع الأميركي، حيث قابلت رجال دين مسيحيين ونواباً وإعلاميين وجمعيات لحقوق الإنسان".. هكذا كرّر الوالد القول لوسائل الإعلام، الوالد العنيد وحده يقاتل بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو يتنقل من بلد إلى بلد، دفاعاً عن قضية ابنه، وشرحا لظروفها وفضحاً للقتلة، وداعيا إلى التضامن معه، ومع قضية شعبه.
لا أدري إن كان الوالد يشكو من قلة الدعم الشعبي والمؤسساتي الفلسطيني أم لا، لم أسمعه يصّرح بذلك، لكنه تكلم كثيراً عن الترهل وعدم المتابعة واليأس وبيروقراطية بعض أجهزة الأمن الفلسطينية. ألاحظ أن الرأي العام الفلسطيني، والرسمي، لا يلتفّ، كما هو مطلوب، حول قضية الشهيد نوارة. لا تهتم الصحافة الفلسطينية كثيراً، ولا تعتبر القضية قضية رأي عام، تنشر أخبار الجلسات بشكل موحد من دون تفصيلات أو متابعات، ومن دون أن ترسل مراسلاً لإجراء مقابلات وتحقيقات حول القضية، ربما يعود ذلك إلى مناخ الهزيمة الداخلية واليأس الذي يطبق على كل مناحي المجتمع الفلسطيني.
علينا جميعاً أن نخرج من الإحساس بالعجز عن عمل شيء. صحيح أن الاحتلال، بمحاكمه وقضائه، يكذب ويماطل. لكن، في الوسع إحراج القانون الإسرائيلي، وحشره في الزاوية، لو ثابرنا وصمدنا وبذلنا جهوداً كبيرة في البحث عن أدلة ملموسة للجرائم الاحتلالية. يتحدث الوالد العنيد عن عراقيل وصعوبات عديدة وضعها الاحتلال أمامه لوقف حملته، فمنع من الحصول على تصاريح دخول القدس، لحضور جلسات المحكمة، ويفكّر الآن في رفع دعوى على الاحتلال في محكمة العدل العليا، لرفع المنع عنه، لكنه يتحدث، هنا، عن الحاجة إلى آلاف الدولارات التي يحتاجها أتعاباً للمحامي، وقد تم تهديده شفوياً من ضابط إسرائيلي في المحكمة "إياك أن تتجاوز حدودك، ابنك تجاوز حدوده وأنت تعرف ماذا حدث له". ألا يدعو هذا إلى حملة تضامن شعبية فلسطينية، والتفاف إعلامي وطني، ودعم من مؤسسات السلطة الوطنية، ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية العربية.
محظور تحول قضية نديم الشهيد نوارة إلى قضية أب فلسطيني فقد ابنه في مظاهرة قديمة. ليس هناك مظاهرة قديمة وجديدة، هناك مظاهرة ضخمة واحدة، مستمرة منذ 1948 ضد الاحتلال، كل أب في فلسطين معرّض لفقدان ابنه في مظاهرة، على كل أب فلسطيني أن يفكّر بهذه الروحية. الألم واحد، واحتمال الفقد موزع بعدالةٍ بين الآباء الفلسطينيين، ممنوع التعامل مع قضايا الشهداء على أنها فجائع فردية، لا تتركوا الوالد الحزين، صيام نوارة، وحده في معركة كشف حقيقة استشهاد ابنه، الخلل الكبير في المجتمع الفلسطيني هو المناخ الذي طالما حذّر منه والد الشهيد: اليأس والإحساس بلا جدوى أي تحرك قانوني ضد الاحتلال، هناك دوما إمكانية لفضح الاحتلال قانونياً، ما دام هناك إيمان ومثابرة ووعي قانوني وجهود.
صيام نوارة، والد الشهيد نديم نوارة، درس مشرّف في المثابرة والإيمان والوعي. فلنحفظ اسمه غيباً.