لا اختراقات في معركة الجيش والقبائل ضد "ولاية سيناء"

29 مايو 2020
أمدّ الجيش قوة القبائل باللوجستيات (العربي الجديد)
+ الخط -
انطلقت منذ ثاني أيام عيد الفطر، أي يوم الإثنين الماضي، الحملة العسكرية في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، والمعلَن عنها بداية شهر رمضان، ضد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، بمشاركة قوة عسكرية مشتركة مؤلفة من الجيش المصري ومجموعات مدنية من القبائل البدوية في سيناء. وتهدف الحملة إلى القضاء على التنظيم، في تكرار لتجربة حصلت في العام 2017، من دون أن تحقق أيّ نجاح جوهري يتمحور حول هذا الهدف. ومع بداية الحملة الجديدة، التي جاءت بتمهيدٍ من الطيران الحربي المصري، وتغطية جوية يومية لتحركات القوة العسكرية على الأرض، لم يخرج أي مؤشر حول حصول اختراقات لعمق التنظيم في المناطق المستهدفة.

وقالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الجيش تحركت من نقاط التمركز قرب كمينٍ عسكري في منطقة الجورة جنوب مدينة رفح، باتجاه منطقة النقيزات، بمشاركة عشرات المدنيين المتعاونين مع الجيش من القبائل البدوية في المنطقة. ولفتت المصادر إلى أن الحملة تضم أكثر من 60 آلية عسكرية وجيب دفع رباعي، بالإضافة إلى تغطية جوية من مسيرات وطائرات حربية، عملت طوال الأيام الماضية على شنّ الغارات.

وكانت قوات الجيش قد تحركت يوم الإثنين الماضي مع بداية الحملة من معسكر الساحة، وسط رفح، بعشراتٍ من سيارات الدفع الرباعي التي تحمل أفراداً من القبائل، في انتظار القوة العسكرية، لتتجه برفقتها نحو منطقة مطار الجورة، جنوب المدينة. 


وأوضحت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، أن الحملة التي تشكلت من قوات عسكرية تابعة لـ"الصاعقة" المصرية والقوات الخاصة، انطلقت من معسكر الساحة وسط رفح، بينما خرج عشرات الشبان من قبائل الترابين والسواركة والأرميلات بسيارات دفع رباعي من منطقة البرث، باتجاه منطقة الجورة والنقيزات جنوب رفح، حيث تجمعت القوتان هناك. وبحسب المصادر، بدأت القوة المشتركة لاحقاً، وعلى مدار أيام، عمليات إطلاق نار عشوائي، وحرق لعشش مصنوعة من القش وألواح من الحديد الخفيف، وإطلاق قذائف مدفعية في اتجاه كثبان رملية وأشجار، يعتقد أن للتنظيم تحصينات أرضية فيها، بالتزامن مع غارات جوية من طائرات حربية ومسيرات. 

في المقابل، بدأ "ولاية سيناء"، منذ انطلاق الحملة، التصدي لها مستخدماً الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والقذائف المضادة للدروع، باتجاه الآليات التي لا تزال بعيدة عن نقاط تمركز التنظيم جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد. وأكدت المصادر أنه "لم تحصل بعد أي مواجهة مباشرة بين الطرفين، في ظلّ تخوف الجيش والمجموعات المدنية المشاركة معه من زرع التنظيم للعبوات الناسفة، أو تفجير انتحاريين أنفسهم وسط القوات، أو من خلال سيارات مفخخة، كما حصل خلال تجربة الصحوات عام 2017، حين تكبدت المجموعات البدوية خسائر بشرية ومادية فادحة، أجبرتها على التراجع".

وأفادت المصادر بأن قوة القبائل "عادت مجدداً اليوم وسط تحشيد أكبر من كافة مناطق سيناء"، لافتة إلى "تخوف القوة المشتركة خصوصاً من ساعات الليل، في ظلّ عدم قدرة الطيران على دعم التحركات البرية، ما يسمح للتنظيم بتنفيذ هجمات مضادة، أجبرت هذه القوات على المبيت داخل ارتكازات أمنية، فيما تتراجع المجموعات البدوية إلى نقاط تمركزها الأساسية في منطقة البرث". وبحسب المصادر، فقد دعمت قوات الجيش المجموعات القبائلية بمزيد من الأسلحة، والخدمات اللوجستية اللازمة للتحرك والاتصال، بالإضافة إلى أنه جرى التقاط صور تذكارية بين قوات الجيش والمجموعات المدنية المشاركة في الحملة، وكذلك تصوير مشاهد حرق العشش. 

ولم يصدر عن "ولاية سيناء" أي تصريح أو بيان حول الأحداث الجارية، علماً أنه كان استبق الحملة العسكرية من خلال شنّه هجمات واسعة النطاق ضد المدنيين المتعاونين مع الجيش والاستخبارات، شملت عمليات القتل والاختطاف، بالإضافة إلى حرق منازل ومزارع. ومن ضمن المستهدفين، "قصاصو الأثر" الذين يؤدون دوراً بارزاً في تتبع مجموعات التنظيم التي تنفذ الهجمات ضد قوات الأمن، بالإضافة إلى أن "ولاية سيناء" وجّه تهديدات مباشرة للقبائل في مناطق وسط وشمال سيناء، حذرهم فيها من التعاون مع الجيش والاستخبارات. 

وتعقيباً على ذلك، رأى أحد مشايخ سيناء، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري "هو بداية لموجة جديدة من الاقتتال التي لا ناقة لأهل سيناء بها ولا جمل، فالمعركة الأساسية هي بين الأمن المصري والتنظيم الإرهابي، والمواطن السيناوي ضحية لها، ومن كلا الطرفين، إذ لا أحد منهما ينظر إلى مواطن بعين الرحمة". واعتبر أن الجيش "يرى في ابن سيناء مواطناً غير صالح، ولا يستحق الحياة بكرامة، فيما يرى التنظيم فيه إنساناً تواطأ مع الأمن، أو ارتضى الحالة التي يعيش بها، وبناءً عليه، فمن المنطقي ألا يقحم المواطن السيناوي نفسه في هكذا معركة، مهما كانت أسبابها أو نتائجها". وأوضح أن "قادة الاستخبارات والجيش استطاعوا حشد بعض المجموعات من القبائل من خلال علاقات المصالح التي تربط بعض مشايخ القبائل بالأمن، كإبراهيم العرجاني الذي بات مليونيراً بفعل علاقاته بمحمود السيسي، نجل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقادة الاستخبارات، وحصوله على حصرية العمل في منفذ رفح البري ذي العوائد المالية الكبيرة، بالإضافة إلى المشايخ الذين لديهم أعمال ونشاطات اقتصادية وسط سيناء، وكذلك العلاقات الأمنية التي تربط بعضهم على مدار عقود". 

ولفت الشيخ القبلي إلى أن التنظيم رفع عدد مقاتليه خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد وصول العشرات منهم من مناطق عدة، بما في ذلك من محافظات مصرية. وأشار إلى توزعه الجغرافي الواسع في كافة مناطق شمال ووسط سيناء كما تثبت الهجمات التي شنها على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، عدا عن السلاح المتوفر لديه والمعلوم به لدى الأمن. ورأى أن كلّ ذلك "يُمكّن التنظيم من مواجهة الحملة العسكرية الجديدة التي تستهدفه، في ظلّ فشل تجربة الصحوات مجدداً". ورأى أن "العملية الشاملة التي بدأها الجيش المصري في فبراير/شباط 2018 في سيناء باستخدام كافة الأذرع العسكرية في الجو والبحر والبر، لم تحقق النجاح المأمول في تحقيق هدفها الكبير بالقضاء على التنظيم، علماً أن الأخير لا يملك مواقع عسكرية أو نقاط تمركز معروفة، ولا يستخدم التكنولوجيا، وهو قليل الحركة داخل المدن، ما يجعل السيطرة عليه محاولة صعبة". وذكّر أخيراً بأن "ما يقنع به المشايخ أبناء القبائل، حول المشاركة في الحملة العسكرية، يتعلق بعودتهم إلى قراهم ومصادر رزقهم"، معتبراً أن هذا الأمر "حلم لن يتحقق، حيث إن الدولة دفعت الكثير وتعرضت لضغوط داخلية وخارجية نتيجة قرارها ترحيل سكان رفح، ومناطق أخرى في الشيخ زويد والعريش".

 

المساهمون