لا أجوبة حاسمة في واشنطن للغز تراجع ترامب عن قصف إيران

22 يونيو 2019
ساهمت حسابات ترامب الانتخابية بدفعه للتراجع (Getty)
+ الخط -

لم تنقطع بعدُ محاولات البحث في واشنطن عن السبب الحقيقي الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التراجع عن قراره توجيه ضربةٍ عسكرية ضدّ ايران.

التسويغ الذي قدمّه بدا من الصعب تسويقه، بقدر صعوبة إدخال الفيل من خرم الإبرة. ذلك أن حسابات الكلفة البشرية في عمليات من هذا النوع، تدخل في عناصر الخيار العسكري الذي يجري عرضه على الرئيس قبل اتخاذ قراره. هذه قاعدة معمولٌ بها في صياغة القرار. وبالتالي، عندما زعم الرئيس أنه فطن إلى مسألة الضحايا في الدقائق العشر الأخيرة التي سبقت تنفيذ الضربة، بدا وكأنه يتوسل هذه الذريعة التي تناسى أنها واهية، لحجب الداعي الفعلي الذي حمله على إحباط العملية، والذي ما زال حتى الآن أقرب إلى اللغز.

إجمالاً، نال تراجع ترامب الكثير من الارتياح، ومن سائر الأطياف السياسية، لأنه "وفّر على الولايات المتحدة الدخول في مجازفة غير محسوبة ومرشحة للتحول إلى ورطة مديدة". أنصار الرئيس عملوا على تلميع الخطوة، ووضعوها في منزلة الحكمة وحسن التدبير. خصومه تنفّسوا الصعداء، مع الثناء على رجوعه عن قرار متسرّع. المحافظون أشادوا، لكن الصقور منهم، مثل النائبة ليز تشيني (ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني)، فتحوا النار على ترامب من باب أنه تخاذل في التصدي لإيران.

وثمة من نظر إلى القرار من زاوية موضوعية، ورأى أن الرئيس "تهيّب" الموقف في النهاية، وصرخ أولاً في لعبة العضّ على الأصابع مع إيران.

كل هذه القراءات، لا تعدو كونها تكهنات وتقديرات. ربما يكون اتخذها ترامب كلها أو بعضها في الحسبان عندما انكفأ عن المواجهة. وربما فعل ذلك من باب التوجس بنوايا بعض  المسؤولين في إدارته، الذين لعبوا دور محامي الدفاع عن سياسة التصادم مع إيران، وذلك بعد أن أخذ بتحذيرات العسكريين. يضاف إلى ذلك، أن حساباته الانتخابية قد تكون ساهمت في دفعه إلى الاستدراك قبل فوات الأوان، على أساس أن الشعب الأميركي لن يتهاون مع حرب جديدة في الشرق الأوسط، خاصة إذا كانت تهدد بكلفة خلال موسم الحملة الانتخابية الذي افتتحه الرئيس هذا الاسبوع. أو ربما همس أحد في إذنه في اللحظة الأخيرة، بأن هذا الخيار لا يجدي، وأن هناك خيارات أخرى، مثل مواجهة نفوذ وقوى إيران في المنطقة، بدلاً من الذهاب مباشرة إليها.


الآن انتهى هذا الفصل بلغز. لكن الأزمة باقية بدرجة حرارة عالية. اللغز الأكبر هو: ماذا بعد؟ كل الاحتمالات واردة. البيت الأبيض يقول إنه "ليس على عجلة من أمره".

في ذلك رجوع إلى التلويح بخيار القوة. واليوم عاد من جديد إلى سياسة القفز وطرح ورقة الحوار "غير المشروط" مع إيران. كما قرر الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي. لكن من غير المعروف على أي أساس يقوم البيت الأبيض بهذا التحرك. التباين داخل الإدارة حول الملف الإيراني، على حاله. التجربة الأخيرة لم تحسمه، وهو مرشح لإعادة إنتاج سيناريو مشابه للحالي، إلا إذا انفجر الخلاف وأطاح برؤوس من تركيبة الإدارة، كما سبق وحصل على إثر خلافات ومناكفات بين الأجنحة.

واحد من جوانب المأزق الراهن أن القرار "صار بيد المتشددين في واشنطن وطهران". في اليومين الأخيرين، ترددت في واشنطن وتكررت عبارة "نحن بدأنا" المشكلة ووضعنا إيران في الزاوية"، والبعض ذهب إلى حدّ القول إن طهران "هي التي تشعر بالتهديد"، كما يقول فرانك فيغليوزي، المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي.

ويسود اعتقاد بأن الخلل استفحل في ماكينة صناعة القرار، ما أدى إلى مثل هذا الانسداد. ولهذا ثمة خشية متزايدة في أوساط النخب السياسية والفكرية الأميركية، من عواقب تحوّل السياسة الخارجية الأميركية إلى لعبة "بوكر".

المساهمون