تعمل إيران على إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة على عتبة المفاوضات المتشعّبة حول ملفها النووي، وحلّ الأزمة السورية، وقضايا وملفات شائكة كضرب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يضع مقرّبون من السفارة الإيرانية في لبنان، زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، إلى بيروت، أمس الاثنين، آتياً من دمشق، في هذا الإطار. فهو وصل إلى العاصمة اللبنانية من سورية، لينتقل بعدها إلى بغداد، فيقدم حقنة تفاؤل وجرعة قوة لحلفائه السياسيين في المنطقة. بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين في لبنان، لا مستجدات أو تطوّرات ملفتة في ما يخص سورية، "لكن الوقت ملائم لاستعراض القوة، والقول علناً لجميع المعنيين إنّ إيران ليست ضعيفة في لحظة المفاوضات ولدينا نقاط قوة"، بحسب مصدر مواكب للزيارة.
ولم تحمل لقاءات لاريجاني في العاصمة اللبنانية أي جديد، بل تأكيد لما هو مؤكد أساساً في القرارات الإيرانية، أي "لا إمكانية إلا لحل سياسي في سورية" و"لا تراجع عن الحرب على التكفير والإرهاب"، بحسب مصادر "العربي الجديد"، مع المحافظة على تحميل الولايات المتحدة مسؤولية الكوارث المذهبية التي حلّت على المنطقة، ولو أنّ واقع الحرب على داعش في العراق يشير إلى تنسيق أمني وعسكري بين إيران والغرب. وبما يعني ذلك أساساً أنّ إيران وحلفاءها غير قادرين على حسم المعركة في سورية وإبقاء النظام فيها، ولا حتى مواجهة هذا المحور وحده مخاطر داعش وغيره من التنظيمات المتشددة.
ويقول أحد المقرّبين من السفارة الإيرانية لـ"العربي الجديد" إنّ "المسؤولين في طهران فهموا أن لا خيار سوى الجلوس على الطاولة، في ظلّ الظروف الراهنة"، ليأتي التهديد الاقتصادي جراء أزمة النفط لـ"يكمل تأزم الأحوال، ويدفع الإيرانيين إلى المزيد من التمسك بخيار الحوار".
عمّم لاريجاني هذه الأجواء على حلفائه في بيروت، أي مع حزب الله تحديداً، وتحدّث عن أهمية الحوار والحلول السياسية أمام المسؤولين الرسميين في الدولة، بعد لقائه رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. لكن الأبرز في كل ذلك اعتباره أنّ "حزب الله أكثر فعالية من بعض الدول في المنطقة"، ليكون قد امتدح الحزب وقيادته من جهة ووجه رسالة إلى القوى الإقليمية والدولية بقوة إيران، بما في ذلك تذكير لما سبق أن قاله المستشار العسكري للمرشد الإيراني، اللواء يحيى رحيم صفوي، بكون حدود بلاده الحقيقية "تنتهي عند شواطئ البحر المتوسط عبر الجنوب اللبناني".
وتشير أجواء المسؤولين الإيرانيين في بيروت إلى أنّ إعادة ترتيب أوضاع حلفاء طهران شمل أيضاً العلاقة مع حركة حماس، التي سبق أن زار وفد منها العاصمة الإيرانية مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري. ويضيف أحد المطلعين على أجواء السفارة في بيروت أنّ "طهران بانتظار زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، إلى إيران، استكمالاً لجهود إعادة ترميم العلاقة بين الطرفين، بما يخدم المصلحة الإيرانية في هذه الظروف".
وبعد وصول لاريجاني إلى بيروت بساعات قليلة، توالت مواقف فريق 8 آذار وحزب الله تحديداً المؤيدة للحوار مع تيار المستقبل. كما لو أنّ المسؤول الإيراني حمل معه كلمة السرّ اللازمة لتسليك الطريق أمام الحوار المفترض بين هذين الطرفين، والذي يعمل على تنسيقه وإعداده كل من الرئيس نبيه بري ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط. فقال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، الشيخ نبيل قاووق، إنّ "الحوار يحصن الوحدة الوطنية لمواجهة كل التحديات"، في حين أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب نواف الموسوي، على أنّ "الحوار يفتح الطريق أمام التعاون لمصلحة الوطن".
قد يكون فتح الطريق أمام جلوس حزب الله وتيار المستقبل على طاولة مشتركة، هو أوضح الرسائل التي حملها لاريجاني معه إلى بيروت، في حين أن باقي الرسائل لا تهدف سوى إلى استعراض عضلات طهران.