لاجئو الدنمارك يترقّبون لمّ الشمل

02 ابريل 2017
يطالبون بلمّ الشمل (ناصر السهلي)
+ الخط -

لم يكن وصولهم إلى الدنمارك سهلاً، ولم يكن حصولهم على حقّ اللجوء سهلاً. في النهاية، حقّقوا حلمهم. أمّا اليوم، فيواجهون معاناة أخرى. ويحاولون لمّ شمل عائلاتهم.

منذ عام 2015، ينتظر عامر زكور، وهو لاجئ سوريّ في الدنمارك، جواباً على الطلب الذي تقدّم به للمّ شمل أسرته، زوجته وأطفاله الأربعة. "الأمر بات كابوساً. بعد ثمانية أشهر على تقديم الطلب". هو واحد من بين آلاف حصلوا على إقامة في البلاد منذ عام 2014.

بعد انتظار استمر لأشهر طويلة، تلقّى زكور أخيراً رسالة من دائرة الأجانب تتذرّع بأنّ "عقد الزواج ينقصه توقيعان. أخبرتهم بأنّ ذلك شأن مئات السوريين، وأنا لم أتمكن من أخذ شيء معي تحت القصف سوى صورة كانت في حوزة زوجتي. وهي منذ أكثر من سنتين، تنتظر في تركيا". يضيف لـ "العربي الجديد": "طلبوا منّي أن أجد مسكناً بناء على القوانين التي تفرض ذلك. وبالفعل وجدت شقة من ثلاث غرف، ورحت أدفع كلّ راتبي بدل إيجارها، على أمل حضور العائلة خلال فترة وجيزة". ويتابع: "أنهكني الأمر اقتصادياً، واضطررت إلى الاستدانة".

بعد أشهر، أخلى زكور الشقة وانتقل للعيش مجدداً مع صديق له. يقول: "حالتي النفسية مدمّرة وكذلك حالة عائلتي"، مشيراً إلى أنّه سافر إلى تركيا لزيارة زوجته وأولاده لمدّة أسبوعين. "خلالهما، قطعوا عني راتبي المؤقّت. كانت رحلة كلّها بكاء وأسئلة". بالنسبة إليه، فإنّ "تجميد طلب لمّ شمل أسرتي، وبحسب من يساعدني في متابعته، يستند إلى شكوك بأنّني تزوّجت بقاصر. زوجتي اليوم في الخامسة والعشرين، ولمّا تزوّجنا كانت في السادسة عشرة، وهذا يتنافى وقوانين البلاد". يكمل: "لكنّنا اليوم أبوان لأربعة أطفال. ماذا نفعل؟ هل يريدون أن أعود أم أطلّق زوجتي وأتخلى عن أطفالي؟".

كثيرون هم اللاجئون السوريون وغيرهم الذين يعيشون في دوامة، في ظلّ القوانين الصارمة التي تتمسّك بها الدنمارك. وعلى الرغم من الانتقادات الحقوقية المحلية والأممية، تصرّ كوبنهاغن على تطبيق ما أدخلته من تعديلات على قوانينها في بداية عام 2015.

في 23 مارس/ آذار المنصرم، أفاد تقرير صادر عن دائرة الهجرة في الدنمارك (تحت ضغط سياسي يساري وحقوقي وإعلامي) بأنّه لم يُبتّ في قضايا لمّ شمل زوجات اللاجئين وأطفالهم القصر، لأكثر من عام. وبحسب ما نشر في اليوم التالي، استناداً إلى أرقام الدائرة، فإنّ متوسّط فترة الانتظار وصلت إلى أكثر من 14 شهراً، وفي حالات معينة كان على الأزواج الانتظار لأكثر من عام ونصف العام، فيما لم تكن الفترة تتجاوز 147 يوماً في عام 2014. وفي عام 2016 ارتفعت إلى 342 يوماً، لتصل هذا العام إلى 437 يوماً بحسب التوقعات.

"أهلاً وسهلاً باللاجئين" (ناصر السهلي)


وكان خبراء الهجرة في فترة تدفق اللاجئين في عام 2015، قد أعادوا اختيار لاجئين متزوجين كثيرين الدنمارك وجهة لهم، إلى قوانين لمّ الشمل في البلاد التي لم تكن تتطلّب أكثر من أربعة أشهر (متوسط). لكن، بعد استلام السياسية المثيرة للجدل من يمين الوسط إنغا ستويبرغ وزارة الهجرة والدمج، جرى توافق برلماني على إدخال تعديلات صارمة على قوانين الإقامة والدمج ولمّ الشمل.

السوريون يعانون من قوانين لمّ الشمل، إذ إنّ أوضاع أسرهم، سواء في دول الجوار أو داخل سورية، "ليست مريحة. ولا نملك شيئاً لا مادياً ولا معنوياً لمساندة أسرنا"، بحسب ما يقول زكور. إليهم، تطاول تلك القوانين العراقيين والأفغان والإريتريين. في حالة الأخيرين، ارتفعت مدّة انتظار الإجابة عن طلب لمّ الشمل من 273 يوماً إلى 482 يوماً، خلال عامَين. ويقول في السياق حقوقي ينشط في منظمة تساعد اللاجئين في مدينة آرهوس (وسط)، لـ"العربي الجديد"، إنّ في ذلك "محاولة لإدخال اليأس إلى نفوس هؤلاء لمساومتهم على العودة إلى بلادهم في مقابل مبالغ تساعدهم في البدء بحياة جديدة. بعضهم قبل، وبعض آخر يصرّ على البقاء".

إلى ذلك، بعيداً عن البيروقراطية وتبرير وزيرة الدمج القائل بـ"تضاعف أعداد الطلبات"، في ردّها على الانتقادات، يرى سياسيّون وقانونيّون بأنّ "المسألة سياسية وليست بيروقراطية". ويقول جون زيمر وهو متطوّع في مكتب يُعنى بقضايا اللاجئين ومكافحة التمييز، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الشيء الغريب الذي نكتشفه مع تقليب أوراق القضايا هو أنّ فئات بعينها مستهدفة بهذا التأخير. وهذا ما ينسف مسألة التذرّع بأعداد الطلبات. لدينا نمط معيّن نراه مكرراً في الجنسيات المستهدفة، أي بين السوريين والصوماليين والإريتريين والأفغان والعراقيين". يضيف: "التأخير ورمي الطلبات من دون جواب شاف لأكثر من سنة، يحمل رسالة إلى الذين يفكرون باللجوء إلى البلد. وفي كلّ الأحوال، لم يعد ذلك خفياً على أحد. فقد صرّحت به (وزيرة الهجرة) إنغا ستويبرغ، وساهمت أحزاب سياسية في الحملة التي حذّرت الناس من الوفود إلى بلادنا. وكلّه مع تنامي حملات اليمين التي تستهدف اللاجئين من مناطق الجنوب أكثر من أي منطقة أخرى في شرق أوروبا ووسطها على سبيل المثال".

ويبدو الجوّ السياسي العام كأنّه يصبّ في غير مصلحة اللاجئين والمهاجرين عموماً. فيسار الوسط، ممثلاً بالحزب "الاجتماعي الديمقراطي"، أكبر أحزاب البرلمان والمعارضة، يذهب في اتجاه دعم الصرامة التي تنتهجها ستويبرغ، على الرغم من انتقاده ما سماه "الزيادة المفاجئة في أوقات الانتظار". وكان عضو لجنة شؤون الهجرة والدمج عن الحزب ماتياس تيسفايا قد صرّح بأنّه "على الرغم من دعمنا نرى وجوب إدارة التشديدات بطريقة صحيحة".