لاتفيا: تطرف المؤشرات

27 يوليو 2015
لاتفيا بلاد التناقضات الاقتصادية (إلمارس زنوتنس/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ الاتجاه العام للتنمية الاقتصادية ينحو إيجابياً منذ حصول لاتفيا على استقلالها مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وتمتع المزيد من الناس برفاهية وفيرة تم تعزيزها على مر السنين.

تابعت لاتفيا، مثل دول البلطيق الأخرى، ولكن على عكس غيرها من دول أوروبا الوسطى والشرقية، بدقة مسار صنع السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة منذ عام 1990. هذه الليبرالية الجديدة انطوت على تحديد أولويات المصالح التجارية بما في ذلك تحديد ضرائب منخفضة على رأس المال، وتقديم رعاية اجتماعية محدودة نسبياً. لكن هذا النوع من الاقتصاد الموجّه نحو قطاع الأعمال والمدعوم من قبل نخبة سياسية وإدارية من الحقبة السوفييتية السابقة، لم يمنع من توجيه الثراء نحو فئة صغيرة من الشعب، وترك جزء كبير من المجتمع دون تحسن كبير.

اقرأ أيضا: بلجيكا: درس في التكيُّف الاقتصادي

رغم ذلك، فقد أشاد صندوق النقد الدولي بالتصميم الذي أظهرته الدولة من أجل التغلب على المصاعب الاقتصادية، واستعادة القدرة التنافسية، والثقة في السوق من خلال تدابير تقشفية شاملة. وقد كان العنصر الأكثر أهمية هو إصرار الدولة على ضبط أوضاع المالية العامة من خلال إنهاء التوسع في الإنفاق العام، الذي كان متبعاً في فترة الازدهار في الأعوام بين 2005 و2007 إلى أن تفجّرت الأزمة الاقتصادية العالمية. في العامين التاليين للأزمة، وصل العجز في الموازنة العامة للدولة إلى 17% في عام 2009، وارتفع في عام 2010 ليبلغ 24%، كنتيجة حتمية لتأخر الدولة في القيام بتدابير تصحيحية جوهرية.

اقرأ أيضا: دروس من وحي التراجيديا اليونانية

بعد ذلك، بدأت الدولة بتحديد إجراءات أكثر شمولية، من أجل ضبط أوضاع المالية العامة، والتي شملت الإبقاء على قيمة العملة المحلية من دون خفض ملموس، والإسراع في إتمام الشروط اللازمة للانضمام إلى عضوية منطقة اليورو، وهو ما تحقق فعلاً مطلع عام 2014.
في الواقع، تم ضبط أوضاع المالية العامة للدولة بفضل إجراءات خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، كانت تلك التدابير قاسية، فعلاً، حيث تم خفض نحو ثلث عدد موظفي القطاع العام، ما أدى إلى خفض ربع فاتورة أجور الموظفين في هذا القطاع، بعد أن كانت أعدادهم تسجل ارتفاعات كبيرة في الفترة بين 2004 و2008. علاوة على ذلك، ساعدت الإجراءات التقشفية في خفض عدد من برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية ذات الكفاءة المتدنية، وعززت الإصلاحات في قطاعي الصحة والتعليم.

ورغم أن حجم السوق المحلية الصغير، قد خفف من القدرة التنافسية العالمية للاتفيا، لكن، وفقا لمؤشر التنافسية العالمية (GCI)، بلغت مستويات التنمية في البلاد مرحلة حاسمة نقلت البلاد من مرحلة الاقتصاد الكفؤ إلى مرحلة الاقتصاد الذي يقوده الابتكار. هذا يدل على أنه لا يزال هناك متسع لنمو الاقتصاد اللاتفي من خلال تحسين كفاءة الأداء لمعظم مؤسسات الدولة، لا سيما المحاكم، والسلطات المعنية بالمنافسة، والإدارة العامة، والقوى العاملة.

اقرأ أيضا: إيرلندا.. وصعود النمر السلتي

ورغم أن المتانة المصرفية وسهولة الحصول على القروض والتمويل لا تزال أقل من مستويات ما قبل الأزمة، إلا أن لاتفيا أظهرت تقدما كبيراً في مجال الجاهزية التكنولوجية، والتي أصبحت ممكنة نتيجة الاستخدام الواسع للإنترنت وتوافر تقنيات الاتصالات على أعلى مستوى.
على الجانب الآخر، تمثل الهجرة المشكلة الأكبر على الصعيد الاقتصادي، فعلى الرغم من وجودها قبل فترة طويلة من اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، ساهمت شدة الركود الاقتصادي، إلى حد كبير، في تدفق الناس خارج البلاد بحثاً عن عمل يناسب طموحاتهم. في الواقع، خلقت موجات متتالية من الهجرة شبكة اجتماعية قوية من المهاجرين شجعت على المزيد من هجرة الأصدقاء والأقارب، بل أسهمت في جعل اللاتفيين، أنفسهم، "المنتج التصديري" الأساسي للجمهورية.

في الحالة اللاتفية، أسهمت الهجرة في تجنيب العديد من الناس بؤس البطالة والشعور بالعجز، وأسهمت، أيضاً، في تحويل مئات الملايين من اليوروات إلى لاتفيا، كل عام، على شكل تحويلات العاملين في الخارج، والتي تم استخدامها في دعم أفراد العوائل وسداد الديون للبنوك.
قبل الأزمة الاقتصادية العالمية كانت لاتفيا تتمتع بنمو اقتصادي سنوي من بين الأعلى في بلدان الاتحاد الأوروبي كافة، وبعد الأزمة، كانت من بين الأسرع تعافياً. كل ذلك لأن شعبها وحكومتها قرروا تبني سياسة "شد الأحزمة"، واضعين مصلحة الوطن أولوية لهم قبل كل شيء.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون