الطائفية هي الوقود الأساس لأي نزاع أو حرب، فهل ثمة حلول للتخفيف من وطأتها على أطفالنا ومستقبلهم، ربما تكمن النصيحة الأولى في عدم عيش الإنسان بداية في بيئة تنضح بها، لأن المرء يتطبّع بمحيطه بدرجات متفاوتة. ومن ثم تأتي مجموعة من النصائح الأخرى:
إقرا أيضاً:التعليم الحوثي... تطييف ينتهي في الجبهة
على صعيد فردي:
- تربية الأبناء وتعليمهم مفاهيم الأخلاق والاعتصام بها "وإنما الأمم الأخلاق"، وصاحب الأخلاق من الصعب أن يحمل كراهية أو حقداً أو شراً.
- تربية الأبناء على نبذ الأحقاد والضغائن والكراهية تجاه الآخرين، وإفهامهم أن الإنسانية توحّد الجميع.
- تعليمهم أن الهوية الوطنية هي الجامعة، وأن الوطن أكبر من الطائفة، ومحاولة التحرر من التبعية العمياء للرموز السياسية والدينية التي تمثّل الطائفة.
- إفهامهم أن الدين والعبادة مسألة شخصية وروحية تتناقض مع التعصب ورفض الآخر.
على صعيد المجتمع:
المطلوب هو تعزيز مفهوم ومعنى "المواطنة".
- على وزارة التربية مسؤولية ترسيخ مفهوم المواطنة عند الأطفال والشباب في المدارس والجامعات، وإعلاء قيمة الوطن واحترام عقائد الآخرين.
- محاربة المدارس والمعاهد التي تغذّي التعصّب المذهبي والتعايش غير السلمي عبر تكفير الأديان والمعتقدات الأخرى.
إقرا أيضاً:مناهجنا العربية... رأي واحد صواب والآخر خطأ
- تربية الأجيال لا تتم بالاحتفالات والأغاني والتراث الشعبي فقط، وإنما بترسيخ مفاهيم المواطنة للقضاء على النعرات الطائفية والقبلية.
- عدم الخوف من التفاعل والاحتكاك بذوي المعتقدات الأخرى، مثل دخول المدارس والمساجد والكنائس والمقامات التي تتبع لديانات أخرى.
- محاربة دعاة الطائفية الذين يروّجون لفكرة أن الناس مقسومين إلى بشر عاديين، وبشر من طوائف أخرى والصراع بين هذين الطرفين هو لإرساء أصول الدين في مواجهة الأشرار الذين لا يستحقون الحياة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل لو كانت دروس التربية الوطنية نافعة، هل كنا وصلنا إلى هذا الحال كمجتمعات عربية تغوص في الحروب الطائفية؟
لا يختلف اثنان على أن الدور المنوط بالمدرسة هو تعزيز الحّس الوطني والانتماء والولاء للوطن عند التلاميذ في مختلف مراحل الدراسة. لكن ما يحصل في المدارس في الحقيقة هو العكس تماما، فالولاء للطائفة يأتي بمراحل متقدمة جدا على الولاء للوطن، وهذه مشكلة في الوعي الجمعي الذي يقصّر عن فهم معنى الوطن.
بدورها شرائح المجتمع المدني، معظمها يعمل وفق منطلقات وأجندات طائفية، فكما أن لكل طائفة أحزابها ورموزها، كذلك لها منظماتها الأهلية والنقابية أيضا.
الطائفية متمكنة جدا لذلك فمواجهتها تتطلب قدرا كبيرا من التحدي، يودّ المتفائلون أن يكون الردّ إيجابياً، لكن النظريات تتناقض مع الواقع المعيوش، لأن واقع المجتمعات العربية يشهد تكاثراً مضّطرداً في موضوع الطائفية والمذهبية والعنف الديني. ولذلك فالتحدّي صعب جدا، وهو تحدٍ يمثل المواجهة بين العقلانية والتطرف. بين التسامح والعنف، والأخلاق واللاأخلاق، فإذا ما انتصرت الأخلاق والعقلانية والمسامحة فإن السبيل سيكون ممهّدا أمام أجيال آتية محمّلة بالقيم. أما إذا لم تنتصر فإن واقع الأجيال القادمة سيكون أكثر طائفية.
ومن السبل المطروحة أيضا للحدّ من بؤس الطائفية، أن تتم توعية الأجيال على ما أحدثته وتحدثه من مآس وتمزّق ونزاعات دينية، في كل من لبنان وسورية والعراق ومصر وغيرها.
إقرا أيضاً: تعليم المقهورين ...شرط الحرية والثورة
(أستاذة جامعية وخبيرة تربوية وباحثة)