تبدأ أميرة حديثها عن صديقيها لؤي القهوجي وماهينور المصري، المعتقلين حالياً في السجون المصرية، بتذكّر كم تأثّر لؤي لدى سماعه خبر القبض على ماهينور. حتى أن أميرة لا تعلم كيف ستنقل إليه خبر صدور حكم عليها بالسجن عامين وغرامة 50 ألف جنيه.
بداية لؤي
لطالما قال لؤي (26 عاماً) لأميرة، وهو صديق طفولتها، إن "مكتبتي هي عمري، وقد شكلت وعيي وإدراكي بنفسي. كُتبي هي صاحبة الفضل عليّ". وتشرح أن لؤي "من أسرة إخوانية، وكان عضواً في تنظيم الجماعة حتى مراحل التعليم الإعدادي، ومن ثم قرر أن يغادر الجماعة ويشكل انتماءه السياسي بنفسه".
أصبح لؤي الآن "أناركيّاً" على الرغم من احتسابه دائماً على حركة "الاشتراكيين الثوريين"، لتعدد أصدقائه الاشتراكيين، وخصوصاً ماهينور المصري. وقد سارعت والدة لؤي إلى إخفاء كتبه، ونقل مكتبته بالكامل إلى سطح بيتهم، بمجرد القبض عليه، خشية استخدام الكتب ضده في المحكمة، وخصوصاً أن كثيراً منها يتحدث عن الفكر الشيوعي والاشتراكي.
لؤي من أسرة ميسورة مادياً، وقد رفض عروضاً عدة للسفر إلى الخارج لاستكمال دراسته، من أجل "حلم الثورة"، بحسب أميرة، التي تضيف أنه "قبل تظاهرة خالد سعيد، التي ألقي القبض عليه فيها، كُنّا جالسين على شط البحر في الإسكندرية، أمام الفندق العملاق والمبنى التجاري (سان استيفانو)، قال لي حينها إن الثورة إذا انتصرت، سيخصص هذا الفندق الضخم لأطفال الشوارع". وتتابع أميرة روايتها بأن لؤي "صمت لبرهة ثم قال: حاسس هيتقبض عليا بكرة".
في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على عدد من النشطاء السياسيين أثناء تنظيمهم وقفة احتجاجية بالتزامن مع جلسة محاكمة قَتَلة خالد سعيد، كان من بينهم لؤي، وماهينور. ثم قضت "محكمة الرمل أول"، منذ أيام، بمعاقبة سبعة نشطاء بالسجن لمدة عامين وغرامة 50 ألف جنيه لكل منهم، وذلك بحضور أربعة من المتهمين وثلاثة غيابياً، لإدانتهم بالتجمهر وقطع الطريق والشغب والاعتداء على القوات بالسب والقذف، خلال الفعاليات التي أقيمت على هامش نظر جلسة قضية خالد سعيد، بما يخالف قانون التظاهر الجديد.
بحسب أميرة، لا يحب لؤي الزحام أو الزخم الإعلامي. وجهه لا يبدو مألوفاً كغيره من النشطاء السياسيين، على الرغم من أنه أصيب مرتين في ثورة 25 يناير. الأولى في "موقعة الجمل"، والثانية في "أحداث محمد محمود". وتشير أميرة إلى أن لؤي لا يبالي بالسجن، ومع ذلك، فهو "مستاء للغاية من حبسه الآن، لأنه مسجون مع عدد كبير من شباب الإخوان المسلمين، المخالفين لرأيه، لدرجة أنه في خلاف وسجال معهم. مرة دعا أحدهم عليه قائلاً: اللهم دمر الاشتراكيين الثوريين". تحكي هذه القصة، صديقته أميرة، وهي غارقة في الضحك، وتتذكر أنها سمعتها منه خلال زيارتها له بصحبة والدته، "الإخوانية" التي لم تصدق روايته، ودافعت عن شباب الجماعة المسجونين معه.
لا تتوقف المناكفة بين لؤي وشباب "الإخوان المسلمين" المسجونين معه، عند السجال والخلاف السياسي، فهو متضرر أيضاً من النظام المحكم الذي يسير وفقه شباب الجماعة المسجون معهم، من حيث مواعيد النوم والاستيقاظ والتمارين وأوراد الصباح والمساء، وجلسات الذكر والقراءة والترفيه، بينما "هو عشوائي إلى حد ما، يريد أن ينام ويصحو ويعيش على مزاجه"، وفق صديقة طفولته.
شقيقة لؤي أيضاً تنتمي إلى "الإخوان المسلمين"، هي وزوجها، المسجون حالياً في سجن "الحضرة"، على خلفية القبض عليه في إحدى تظاهرات "دعم الشرعية ورفض الانقلاب" في الإسكندرية. تزور زوجها الذي أضاع في سجنه فرصة حصوله على شهادة الماجستير، كل يوم ثلاثاء في سجن "الحضرة"، وتزور شقيقها كل أربعاء، في سجن "برج العرب".
زيارة لبرج العرب
تروي أميرة زيارتها الأولى لسجن مصري، عندما توجهت مع والدة لؤي، لزيارته في سجن "برج العرب". تقول: "ركبنا أوتوبيساً تابعاً لجماعة الإخوان المسلمين في السابعة صباحاً، من سيدي بشر في الإسكندرية. والدته استيقظت باكراً، لتعدّ له الزيارة، وهي عبارة عن طعام وشراب وكتب وملابس نظيفة وغيرها". وصلت الحافلة التي أقلت أسر المعتقلين إلى سجن "برج العرب" عند العاشرة صباحاً، فيما بقي الأهالي، حتى الخامسة عصراً، في ساحة كبيرة، في انتظار السماح بالزيارة. تتابع أميرة أنه "حينها فقط فهمت لماذا حملت والدته كرسيين معها، ولماذا أحضرت لنا نحن أيضاً طعاماً وشراباً. ومن حولنا كان الوضع أشبه بنزهة صيفية. فهناك أطفال يلعبون بالكرة، وآخرون يتناولون مكسرات، ورجال يتمددون تحت ظل شجرة أو عمود".
في هذا اليوم، أرسل لؤي مع أميرة جوابين، الأول لشقيقته الصغرى، والثاني لماهينور، وأوصاها بتسليمها في أقرب وقت، و"الرسالة كانت عبارة عن ورقة مكموشة ومُكرمشة للغاية تمكن من دسّها في يدي في سهو من السجانين المحيطين بنا"، تتابع أميرة.
ماهينور المصري
أما ماهينور المصري، فهي فتاة مصرية منعّمة عاشت في دولة خليجية منذ صغرها، وتخرجت من كلية الحقوق. لديها تشوّه خلقي في عينها اليمنى منذ ولادتها، "وشاء الله بخلقه، أن يغيّر مجرى حياتها"، بحسب أميرة.
عندما استقرت ماهينور في مصر، كانت في أحد الأيام تطل من نافذة سيارة والدها في الإسكندرية، عندما توقفت السيارة عند إشارة سير، وإذ بمتسوّلة تنظر إلى ماهينور، وتقول: ياخدوا عين من عيني لبنتهم، ويعطوني السيارة الحلوة دي". تكشف أميرة أن هذه العبارة أثّرت كثيراً على ماهينور، وعلى قرارها في الانضمام لحركة "الاشتراكيين الثوريين".
تنقل أميرة عن ماهينور قولها، ذات مرة، "كثيراً ما أشعر أن ربنا خلقنا من أجل الدفاع عن المظلومين". وبالفعل أصبحت تشارك في معظم تظاهرات الإسكندرية أو خارجها. وتستطرد أميرة: "غضبتُ منها عندما لم تتضامن مع قضية حرائر الإسكندرية قبل فترة، وعندما واجهتها، قالت إنها تخشى أن تبدو في إطار المدافعين عن الإخوان المسلمين ففضّلت الاختفاء".
تروي أميرة تفاصيل مشهد القبض على ماهينور "أثناء وجودها في محل هدايا، اقتادها الضباط والعساكر إلى قسم العطارين في الإسكندرية، وهو قسم شرطة قريب جداً من قهوة عثمان التي تجلس فيها دائماً وأصدقائها". وتتابع أميرة أنه "أثناء اقتيادها إلى قسم الشرطة، ظلت ماهينور تتلفّت من حولها لعلها تجد أياً من أصدقائها، لتستنجد به، ولكن أحداً لم يكن هناك".