كيف يلجأ المشرّدون الفلسطينيون إلى الضفة؟

15 سبتمبر 2015
+ الخط -
دعا الداعي الفلسطيني إلى السماح للمشردين الفلسطينيين من سورية بالدخول والإقامة في الضفة الغربية، باعتبارها جزءاً من وطنهم المستلب. وبدت الدعوة منسجمة مع المنطق، وتستحق ثناء الشعب الفلسطيني قاطبةً، وجديرة بأن يتبناها الكبار (ولا نقول المجتمع الدولي، كصيغة فضفاضة)، لكي يضغطوا في طلبها، بقوة دفعها الإنسانية، على حكومة الاستيطان والتطرف العنصري.
لكن، ثمة وقفة واجبة، مع الداعي نفسه، لكي نسأله: إن كانت الضفة وغزة، في اتفاقات أوسلو، وحدة جغرافية وسياسية واحدة، ويحق للفلسطيني التنقل بينها، أو الدخول إليها من منافذها، ومع ذلك، لا يتاح لفلسطينيي غزة الدخول إلى الضفة، بموجب المحددات المنصوص عليها في الاتفاقية التي قامت السلطة على أساسها؛ فكيف سيُسمح لأبناء الشعب الفلسطيني الذين لا يحملون ما يُسمى أرقاماً وطنية بالدخول إلى أراضي وطنهم في الضفة؟ وإنْ كان مطلوباً من قوة الاضطرار لأسباب إنسانية أن تلحلح جلمود الصخر الصهيوني عن موقفه احتباس الفلسطينيين في مهاجعهم في وطنهم؛ أليس من الأجدر أن يبدأ الداعي بنفسه، فيدحرج من فوق منظومته السلطوية، جلموداً معيباً ثقيلاً، فيُنهي احتباسه أعضاء وكوادر من منظومته نفسها، يرفض هو التقدم بطلب السماح لهم بالدخول إلى الضفة، وإن دخلوا بذرائع الاستشفاء أو مرافقة المرضى، يرفض إلحاقهم بأعمالهم في أجهزتهم التي هي من طبيعة عمل السلطة راهناً، ومن صلب افتراضات عملها في المستقبل؟ فما يجري في الضفة الآن، يندى له الجبين. فالإقصاء للمتحدّرين من غزة، عن مسؤولياتهم، أصبح له فعل القانون غير المكتوب، إلا من رحم ربي، فخصصت له دائرة معنية بمتابعة بقية الجمع في غزة، على قاعدة التحقق من استمرارية الولاء.
هناك، مثلاً، نحو 150 ضابط شرطة شابا، من قطاع غزة، تخرجوا من معاهد الشرطة في مصر، وبقوا بعد التخرج، زبائن لمقاهي القاهرة وحواريها، لا يغادرون إلى غزة بسبب الانقسام، وليست هناك مجرد فكرة أو محاولة لإلحاقهم بجهاز الشرطة في وطنهم في الضفة. ومعلوم أن المتخرج من كلية الشرطة يتأهل أيضاً في القانون، وهذا نوع من الكادر يحتاج إليه الفلسطينيون. والضابط الصغير من هؤلاء مؤهل أكثر وأفضل من تأهيل قائد الشرطة نفسه الذي تخرج من معهد عسكري للتأهيل العام، في بلغاريا، ولا علاقة له بحفظ النظام أو بالقانون. والسؤال الذي لن نتحرّج منه: هل المانع من عدم إلحاق الضابط أنه ولد في قطاع غزة الذي لا تختلف قماشة سكانه الاجتماعية عن قماشة شعبهم في الضفة، لا في العرق ولا في الديانتين الإسلامية والمسيحية، ولا في شيء ذي صلة بالثقافة والسلوك؟
الجواب: إن المانعين هم النعراتيون الذين يختلقون التمايزات بين أبناء الشعب الواحد،
ويختلقونها حيال أية جغرافيا. فإن انتهوا من "تأثيم" شطرٍ من الوطن، انصرفوا إلى الفعل نفسه، لدق أسافين النعرات، بين شمالي الضفة وجنوبيها، وبين الريف والمدينة، وبين اللاجئ والمواطن. وهؤلاء، للأسف، متنفذّون في السلطة، في السياسة والإدارة، علماً أن ثقافتهم لا تصلح لشيء، قدر ما تصلح لهدم الدول لا بنائها، ولتبديد الاستقلال وليس لنيله وتصليبه.
لعلها مناسبة، لأن ننصح النعراتيين المناطقيين بالإقلاع عن هذا السلوك الذي سيرتد عليهم وعلى القضية والوطن وبالاً. إن أية منطقة، بأهلها وبعطائها وشهدائها ومقابرها وذكرياتها، غير قابلة للإقصاء، شاء هؤلاء أم أبوا.
ضباط الشرطة الفلسطينيون المؤهلون، المنذورون، عن سبق إصرار، لمقاهي حارات القاهرة، يمثلون برهاناً فرعياً، على أن كل شيء يجري عمله، بعناد وغباء، وصولاً إلى انفصال غزة عن الضفة، ثم التنطع باتهام حركة حماس أنها التي تعمل على الانفصال، وعلى تأسيس دولة أو إمارة. فلو كانت هناك نية للمصالحة، وكان هناك تهيؤ لوحدة أراضي 67 التمامية؛ لاختلف سلوك السلطة مع كادر "فتح" في غزة على الأقل، ولأصبح متخرجو معاهد الشرطة الغزيون فرس الرهان استعداداً لمرحلة وئام، بعد أن يباشروا عملهم في وطنهم في الضفة، ويمارسوا تأهيلهم ويكتسبوا تجربة عملية. فإذا جاء وعد المصالحة، نُقلوا إلى غزة، فرقة من سلك جهاز الشرطة، مضمون ولاؤه لقيادته.
لكن النعراتيين المناطقيين يتذاكون لفظياً، ويستخدمون كلمة "أهلنا" في سياقات لغتهم اليومية، علماً أنهم يقيسون بغرائزهم المسكونة بحسابات صغيرة وأوهام مجد فارغ. تعاطوا مع المسألة باعتبارها سانحة لمنع التحاق شباب غزة بكليات الشرطة، وذريعتهم مشتقة من ماعونهم ومن بضاعتهم، وهي أن من يتخرّج لن يلتحق بعمله، وكأن العدو هو الذي سيمنع لو تقدموا إليه بطلب دخول ضباط شرطة بأرقامهم الوطنية، متخصصين في حفظ النظام العام الذي يلائم رغباته أيضاً.
الالتحاق بكلية الشرطة، يصبح وظيفة في السلطة، وهنا مكمن العلة. فكيف، عندهم، تُترك لغزة وظائف، فيما السباق مسعور لا يراعي قانوناً، ولا مصلحة عمل؟
ليت العدو يسمح بدخول أبناء شعبنا، من عوائل بأطفالها ونسائها، وشيوخٍ أعيتهم مشقة التشرد والجوع في خضم حرب سورية. وليت قيادة السلطة استثمرت قوة دفق القضية، وصفاقة الاحتلال وإجرامه، لتسجيل نجاحاتٍ على صعيد الرعاية الإنسانية للفلسطينيين في الوطن والشتات. فالمشرّدون الفلسطينيون من سورية، عندما يمنعهم العدو من اللجوء إلى الضفة هرباً من النيران، ومن مواضع اللجوء إلى العراء؛ يُضمر في الحقيقة ثمناً سياسياً، لن يناله في هذا الخضم، وفي حال الانسداد. هو يريد عودة بعض اللاجئين إلى أراضي 67 ضمن صفقة طي قضية اللاجئين.
قبل أن يدعو الداعي لاجئي شعبنا إلى الضفة، عليه أولاً تهيئة فناء داره، وإنفاذ القيم الوطنية في مسلكه وفي إدارته، قبل أن يدعو إلى استيعاب أبناء شعبنا المشردين في أربع رياح الأرض.