كيف نحافظ على صحّتنا النفسية خلال العزل؟

28 مارس 2020
ممارسة الرياضة وتمارين التنفس والتأمل لمكافحة العزل (نيكولو كامبو/Getty)
+ الخط -
قد تشكل أزمة كورونا، نقطة تحوّل تاريخية حقيقية، وليست مجرّد أزمة صحيّة عالمية عابرة، لما قد تخلّفه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية.

وإذ يعرّف غوستاف لوبون في كتاب "سيكولوجية الجماهير"، الأحداث التاريخية الضخمة على أنّها "الآثار المرئيّة للمتغيّرات اللامرئية على عواطف البشر"، يثير تأثير الوباء الجديد والعزل الصحي على حياتنا النفسية الكثير من التساؤلات. كيف ننجو بأقل الخسائر الممكنة؟ وما أهمية التوازن النفسي في هذه الفترة الحرجة؟

توضح الاختصاصية النفسية، أسيمة مرشد، أنّ كورونا قد يشكّل تجربة صادمة للناس، نتيجة قلّة المعلومات المتاحة عنه، وعدم توفّر لقاح أو دواء حتى اللّحظة، وتضيف: "الدراسة الحقيقية هي حول اختلاف استجابة الناس بعد انتهاء الجائحة، إلا أنّه بإمكاننا القول إنّ الذعر المنتشر ناتج عن انتشار الفيروس السريع، وإعلان العديد من الدول الحجر الصحي، المصحوب بقلّة الإنجاز واختلال الروتين اليومي وترقّب المجهول".
ويشير كنان العقاد، اختصاصي علم النفس العيادي، إلى أنّ العزل الصحي يخفّض متغيّرات الرفاه النفسي (اجتماعيًا وعاطفيًا وماديًا وجسدياً)، ويقول لـ"العربي الجديد": "قد تزداد اضطرابات النوم في الفترة الأولى، ومن المتوقّع أن يخف النشاط الجسدي بداية. وقد تزداد معدّلات القلق والتوتر عاطفياً".
ويوضح الطبيب النفسي، محمد الدندل، أنّ الفئات الأضعف والأفقر في المجتمع ستتأثّر أكثر من غيرها، ويقول: "يمثل الحجر الصحي بالنسبة لهؤلاء كارثة حقيقية، لأنهم لا يمتلكون مدّخرات بالأساس، ويعتمدون على عملهم اليومي للعيش بالحد الأدنى".

تأثير الشائعات على انتشار الذعر:

يشير العقاد إلى أنّ تأثير الشائعات يختلف باختلاف المستوى التعليمي للناس، وما إذا كانوا قد عاصروا أوبئة سابقًا، في حين تقول أسيمة مرشد: "من المهم اعتماد المصادر الموثوقة للمعلومات، مثل موقع "منظمة الصحة العالمية"، وعدم الاستماع بشكل عام للمعلومات غير المفيدة والتي تؤثر علينا سلبًا. ويجب الانشغال بأعمال مسليّة وإيجابية للابتعاد عن حالة الترقب التي تثير القلق".

 أهميّة الصحة النفسية في هذه الفترة:

تؤكد مرشد أنّ تأثير العزل على المدى البعيد يتعلّق بمدّته، ومدى التعامل الإيجابي معه، وتقول: "إذا طالت المرحلة وتعاملنا معها بقلق مستمر، سيتأثّر توازننا النفسي، وقد يكون من الصعب العودة إلى حالتنا الصحيّة السابقة".
في حين يقول محمد الدندل: "أكّدت بعض الدراسات أنّ عدد الكريات البيض المسؤولة عن المناعة والتي تحارب الفيروسات في الجسم، ينخفض لدى طلاّب الجامعات في فترة الامتحانات مثلاً، وبالتالي يؤثّر القلق المرضي حكمًا على صحة الجسد بشكل عام. وانخفاض عدد الكريات البيض، يصيبنا بالأرق ويخفّض الشهية، ما يضعف المناعة لدينا".

 

نصائح لتحسين الصحة النفسية في العزل الصحي:

ينصح العقاد بمحاولة التأقلم مع نمط الحياة الجديد، بوضع خطط وأهداف تطويرية جديدة، وبممارسة الرياضة وتمارين التنفس والتأمل في المنزل، وبالكتابة التفريغية، مشيرًا إلى أنّ تنظيم النوم يعدّ التحدي الأكبر، ويقول: "يفترض أن يتصالح الناس مع أفكارهم السلبية وعدم كبتها، بل التعبير عنها أمام المقربين منهم".

في حين تنصح مرشد بخلق تواصل إيجابي مع الأسرة، وإعادة بناء العلاقات التي كانت منقطعة بسبب انشغالاتنا، التواصل مع الأصدقاء عبر الإنترنت لتقديم الدعم المتبادل، اعتبار هذه المرحلة بمثابة إجازة للاسترخاء وإنجاز الأعمال المتراكمة، الالتحاق بالدورات العلمية المقدمة مجانًا عبر الإنترنت، وتقول: "لنتحدَ أنفسنا للإنجاز في هذه الفترة، ومشاركة إنجازنا مع أحبائنا عبر مواقع التواصل لخلق حالة إيجابية".

أما د. الدندل فينصح بالنظر للعزل من زاوية إيجابية، باعتباره فترة مؤقتة وضرورية للحفاظ على صحتنا وعائلاتنا، ما يجعلنا أكثر صبرًا، ويقول: "عندما نفكر بإيجابية، نقدّر بأن العزل قيمة إنسانية عظيمة وليس توقفًا عن الإنجاز، وأنّ معاناتنا تضحية من أجل الجميع".

 كيف نتعامل مع الأطفال؟

يؤكد د. الدندل أنّ المصدر الرئيسي لشعور الطفل بالأمان أو الخوف هو والداه، لذا ينصح الأهل بإظهار التماسك أمام الطفل وطمأنته بأنهم سيحمونه، حتى لو شعروا بفقدان الحيلة.
وتنصح مرشد بخلق مساحة لعب آمنة للطفل ومشاركته إياها، وشرح ما يجري له بطريقة مبسطة تناسب عمره، وتجيب عن تساؤلاته وتدفعه إلى اتخاذ الاحتياطات الصحيّة اللاّزمة، من دون اللّجوء للتخويف. في حين يقول عقاد: "يمكن للأهل الاستعانة بكتيبات إرشادية قدمتها منظمة الصحة العالمية، لتوعية الأطفال حول فيروس كورونا".

 كيف نتعامل مع شخص مصاب نحبه؟

تنصح مرشد بأن يكون لدينا جاهزية نفسية لاحتمالية إصابتنا أو إصابة شخص نحبه بالفيروس، لأنّه سهل الانتشار ولأنّ علاج الخوف يكون بمواجهته، وتقول: "هذه الجاهزية، تجعلنا نواجه الخوف المحتمل وتقوّي مناعتنا وتسرّع الشفاء".
في حين يحذّر د. الدندل من أن يتحوّل العزل إلى نبذ أو احتضان لمن نحبهم، ويقول: "كلاهما أسلوب خاطئ، يجب أن نكون حازمين بخصوص عزل المريض، مع إظهار التعاطف وتقديم العون له وعدم نشر الذعر بين أفراد الأسرة".

لماذا يتعمّد البعض نشر الذعر أو العدوى بين الناس؟

انتشرت في الآونة الأخيرة فيديوهات لأشخاص يمثلون نشر العدوى، أو يتعمّدون عدوى الآخرين بالفعل، أو لا يتعاونون مع الحجر الصحي، وتفسّر مرشد هذه الظاهرة قائلة: "درس علماء النفس والاجتماع السلوك الجماعي والاستجابة لانتشار الأوبئة، ولاحظوا وجود أنماط سلوكية نفسية جماعية مرتبطة فقط بهذه الفترات. هناك خوف جماعي نتيجة ظهور وباء جديد، لأنه يُعتبر حالة مجهولة ليس لها علاج حاليًا ومهدّدة للحياة ومخلخلة للروتين اليومي".
وتوضح أنّ مستويات الخوف وكيفية التعامل معه تختلف من شخص لآخر، وتقول: "يشير علم النفس الوبائي إلى حالة اسمها "سقوط العقلانية الهشّة"، سببها الشعور بالتهديد المفاجئ والخروج من حالة الروتين. تبدأ بعدم القدرة على التصديق وعدم تقدير حجم المشكلة، ما يؤدي إلى الاستهزاء بالتعامل مع التعليمات الصحية أو الاستهزاء بوجود المرض بحد ذاته.
رأينا مجتمعات كاملة، غير قادرة على استيعاب حجم المشكلة، وأشخاص لا يودّون الالتزام بالحجر الصحي. يلي هذه المرحلة، التصديق المصحوب بخوف مبالغ به، ويتجلّى بشراء الحاجات الأساسية بطريقة هستيرية أحيانًا، نتيجة سيطرة الأنانية الطفولية خوفًا من فقدان الحاجات الأساسية كالغذاء، وبالتالي الخوف من الموت".
أمّا عن ظاهرة نشر العدوى أو الذعر بين الآخرين، فقال د. الدندل: "إن كانت الفيديوهات حقيقية، فهؤلاء الأشخاص يعانون من اضطراب "الشخصية المعادية للمجتمع"، وهم يستمتعون في الحالة العادية بإيذاء الآخرين، وتخلو مشاعرهم من التعاطف مع الآخرين، فإذا كانوا مصابين لن يتردّدوا في نقل العدوى للكثيرين".

دلالات