بعد أيام من حالة الجمود والصمت التي اعترت المشهد الليبي، يبدو أن تحركات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، التي تمثلت بإصدار قرارات بتقسيم البلاد لمناطق عسكرية، وتعيين قادة عسكريين لبعضها، قد حدّت من مساعي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لنقل عساكره إلى المنطقة الغربية.
فقد توجه المجلس الرئاسي إلى تبني سياسات جديدة، مثل توظيف صفته كقائد عام للجيش، والحديث عن مناطق عسكرية في البلاد، والإعلان عن تعيين قادة عسكريين يمتلكون قوات ضاربة كأسامة الجويلي، قائد كتائب قوية بالزنتان، ومحمد الحداد قائد لواء الحلبوص، وهو أكبر فصائل مصراتة، ويبدو أن هذا التوجه يحدّ بشكل كبير من طموح حفتر، إذ إنه بعد أيام من دعم القاهرة المعلن عسكريا لحليفها حفتر جويا وربما بريا، أعلنت بشكل مفاجىء أمس الأربعاء عن دعوتها الأطراف الليبية إلى الانخراط جديا في حوار من أجل إعادة مؤسسات الدولة وهياكلها.
وقالت اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي، في بيانها، إن "الموقف الراهن يتطلب الالتزام بالشرعية التي أفرزها الاتفاق السياسي لحين الوصول لصيغ توافقية لمعالجة الشواغل"، محذرة من "اتخاذ أي قرارات أحادية الجانب من أي طرف ليبي، قد تؤدي إلى المزيد من التصعيد والفوضى".
ورغم أن بيان اللجنة عكس تأثر الداعم المصري بمواقف المجلس الرئاسي الجديدة من تقدمات حفتر العسكرية، إلا أنه لم يخلُ من رسائل تهديد ضمنية كإشارته إلى "إدراك عامل الوقت المتاح لأهمية سرعة التوصل لتوافق ليبي يجنب البلاد التبعات الخطيرة المترتبة عن انتهاء العمل بالاتفاق السياسي في منتصف ديسمبر/كانون الأول المقبل".
وفي مؤشر عن الوضع العسكري الجديد في البلاد، قال المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، إن "هناك ضرورة أن يجتمع الضباط الليبيون من جميع أنحاء البلاد لمناقشة الأمور العسكرية"، مضيفا، في تغريدة على حسابه على "تويتر"، أن "الأمم المتحدة على استعداد لتسهيل مثل هذا الاجتماع، كما أن المجتمع الدولي على استعداد لتقديم الضمانات الضرورية لتنفيذ ما سيتفق عليه الليبيون".
وأشار كوبلر إلى أن "معارضي الحل السياسي يلجؤون للعنف كلما اقتربت البلاد من تسوية سياسية".
ويبدو أن تحول المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وداعمها الممثل في المبعوث الأممي، إلى لعب ورقة مؤسسة الجيش، التي يمتلك المجلس الرئاسي صلاحيات قيادته العليا بموجب الاتفاق السياسي، نجح إلى حد كبير في الحد من طموح حفتر وداعميه، لا سيما القاهرة، التي يبدو أنها عادت للمناورات السياسية، لكن الجديد هذه المرة لم يكن في الاعتراض على الاتفاق السياسي وشرعية حكومة الوفاق، بل في الإشارة إلى العمر الزمني للاتفاق.
وبالتوازي مع حديث اللجنة المصرية، في بيانها أمس الأربعاء، عن "أهمية إدراك عامل الوقت المتاح لأهمية سرعة التوصل لتوافق ليبي"، والتحذير من "التبعات الخطيرة المترتبة عن انتهاء العمل بالاتفاق السياسي في منتصف ديسمبر المقبل"، أعلن رئيس لجنة الحوار السياسي بالبرلمان الليبي، عبد السلام نصية، عن خيارين "لاستعادة الدولة والبدء في حل القضية الليبية".
وقال نصية، قبل أن تبدأ لجنة الحوار التي يترأسها في المحادثات مع مناوئيها في طرابلس، إن "الخيار الأول يقضي بأن يتم تعديل الاتفاق السياسي وإعادة تشكيل الحكومة، وهو ما سيتطلب تمديد المرحلة الانتقالية إلى سنتين قادمتين على الأقل".
ورأى أن "عيوب هذا الخيار أكثر من مزاياه، لأنه سيبقي ليبيا في مربع القرار السيادي الجماعي، فيما تحتاج إلى سهولة في صناعة القرار لمواجهة الأزمات الخانقة".
وعن الخيار الثاني، والذي يبدو أنه يعكس خلفيات وكواليس المناورات السياسية الجديد لمعسكر حفتر، قال نصية إن "الخيار الثاني هو الدخول في انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال النصف الأول من العام القادم، ويتطلب هذا الخيار العمل من الآن على إعداد الأرضية التشريعية لذلك، وتهيئة الظروف، وهو ما يحتم معالجة الوضع الحالي جزئياً، وبما يضمن استقرار الأمور والعمل على إنجاح الانتخابات، ولهذا الخيار أيضا عيوبه ومزاياه، إلا أنه الأقرب لاستعادة الدولة".
وأمام تعثر الحل العسكري أمام حفتر، لا سيما وأن المنطقة الغربية من البلاد تتوفر على كتائب مسلحة قوية، تعد الأشد معارضة لوجوده عسكريا، يبدو أن المناورات السياسية الجديدة تهدف إلى تجميد الوضع السياسي والعسكري في البلاد، إلى حين انتهاء الفترة الزمنية المقررة للاتفاق السياسي، ومن ثم إجبار الأطراف الليبية على الموافقة على الدخول في انتخابات جديدة لمواجهة خطر الفراغ السياسي.