كيف تصمم إصلاحاً سياسياً؟

10 سبتمبر 2015
كيف ستدار أوطان عانت من عداء واحتراب وتدمير وخراب؟(أرشيف/Getty)
+ الخط -
من ينظر إلى جسد الطفل الصغير إيهان الكردي مسجى بين الشاطئ والمياه، ويشاهد على شاشات كل وسيلة مرئية آلاف اللاجئين السوريين يسابقون البوليس الهنغاري إلى القطارات والحافلات، لا يعتقد أن الوطن العربي في حالة تسمح له بالتفكير في الإصلاح السياسي.
ولعلني من المفرطين في التفاؤل. ولكنني لا أعتقد ذلك على الإطلاق. ولنهرب معاً إلى الأمام، إلى المستقبل، ففيه راحة من عناء الحاضر ومصائده وتبعاته، ولكن الوطن العربي الذي يعاني من اقتلاع الملايين من ديارهم، ويشار إلى أوطانه بالاتهام لأنهم لا يراعون متطلبات مواطنيهم وشعوبهم، لا بد أن يستفيق يوماً.
ولكن السؤال كيف ستدار أوطان عانت كل هذا الذي عانته من عداء، واحتراب، تنكيل، تشويه، وتدمير، وخراب؟! هل للناس من مختلف الطوائف والشيع والملل والأصول أن يتعايشوا بعد كل هذا في نظام سياسي واحد، وتحت سقف واحد؟
ويثور السؤال المنطقي، ولماذا لا نفترض أن السيناريو اليوغسلافي ولا أقول البلقاني هو الذي قد يسود في كثير من أقطارنا العربية؟ فيوغسلافيا تحت حكم "جوزيف بروز تيتو"، قد انقسمت الى ست دول. وهي الآن أحسن حالاً من بعد النزاع والقتال المرير بين أبنائها المسلمين والأرثوذكس والكاثوليك.
وقد رأينا في البلقان دولاً توحدت ثم عادت وانفصلت عن بعضها البعض طوعياً مثل تشيكوسلوفاكيا التي انقسمت إلى جمهورية التشيك (براغ العاصمة) وجمهورية سلوفاكيا (وعاصمتها براتيسلافا)، وكلاهما يعيش سعيداً ومحباً لجاره.

أما الوطن العربي كالعراق، وسورية، فهي الآن مقسمة حكماً. وكيف يمكن أن نتخيل أن كردستان العراق ستعود جزءاً لا يتجزأ من العراق الموحد؟ وهل بالإمكان الوصول الى اتفاق بين المكونين الآخرين السنة العرب والشيعة العرب؟ هل سيكون العنصر المشترك عروبتهم أم سيفرقهم ولاؤهم المذهبي؟ أم أن هنالك حلاً ثالثاً هو فدرالية مع حكم ذاتي لكل مذهب بافتراض أن التقسيم الجغرافي سيكون سهل المنال وممكناً من غير حروب قادمة؟
وسورية التي أضحت مجزأة مبقورة الأحشاء هل يمكن أن تستعيد ألقها ووحدتها، أم أنها سوف تتجزأ أيضاً إلى دولة كونفدرالية، أو إلى دويلات منفصلة؟
إن هذه السيناريوهات مطروحة على بساط البحث. والدعوة الى إعادة النظر في اتفاقات سايكس/بيكو بحجة أنها لم تراع حقوق الإثنيات والمذاهب والطوائف صارت تكتسب مع الوقت زخماً سياسياً وفكرياً وعسكرياً.
وتنطبق نفس الاحتمالات مع اختلاف الظروف على ليبيا واليمن والصومال. فهل نحن عائدون إلى زمن أمراء الطوائف وتقسيم البلاد إلى مناطق متخاصمة متحاربة حتى في وجه التحديات الخارجية العاتية؟
أم أننا سوف نجد طرقاً لنعطي مختلف الفئات حقوقها في مناطق لتدير شؤونها، مع إبقاء الفضاء الشامل لكل هذه المناطق موحداً في إطار سيادة واحدة مستمتعة برموزها وجيشها وحدودها وسياستها الخارجية؟
هل بالإمكان أن نخلق منهجاً للإصلاح السياسي يأتي بمبادرة منا نحن العرب. وبالتعاون مع دور الفكر السياسي والإستراتيجي من أجل أن نضع ميثاقاً سياسياً ملزماً لنا ألا نتفرق، وأن نعطي كل أناس حقهم، وأن نحافظ على الأقل على أقطارنا؟
هنالك أمثلة في العالم يمكن أن تستفيد منها، فالمملكة المتحدة، الدولة المستعمرة الكبرى لقرون خلت، لم تتوحد إلا بعد حروب طاحنة قبل فرض الوحدة وبعدها. ولكنها بالإصلاح السياسي والانفتاح على الجميع، تمكنت أن تصل إلى مرحلة لم يضع فيها حق المطالبة بالانفصال، ولكن الأكثرية آثرت في استفتاء اسكتلندا الأخير أن تبقى في الاتحاد البريطاني.

اقرأ أيضا: العراق والسودان الأكثر فساداً عربياً والخليج الأقل

وجاءت الانتخابات البرلمانية لتؤكد أن الإسكتلنديين قد عززوا موقع الحزب الذي فشل في إقناعهم بالانفصال. إنها رسائل متناقضة وذكية.

أما شمال إيرلندا، فقد وصل بعد حروب طويلة إلى تفاهم بين البروتستانت والكاثوليك، وبقيت المنطقة متمتعة بإدارة شأنها المحلي وجزءاً من المملكة المتحدة.
والولايات المتحدة قامت كدولة فدرالية على إدارة الشؤون الداخلية والمحلية لكل ولاية، ولكنها أبقت الولاية جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد. ولما اختلفت المصالح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقامت حرب أهلية انتهت بانتصار الاتحاديين على الكونفدراليين، عاد الجنوب إلى أحضان الوطن محتفظاً بشؤونه الداخلية.
ولا تأتي هذه الأمور مصادفة، بل نتيجة تفكير وتخطيط طويل، وهو خلق ذلك التوازن بين متناقضات الحكم المحلي والحكم المركزي. وأمامنا أمثلة أخرى في العالم مثل إيطاليا وألمانيا اللتين توحدت كل منهما في عام (1870)، وهنالك الاتحاد السوفياتي وروسيا الاتحادية.
الأمثلة من العالم كثيرة، ولكن لا بد في نهاية المطاف أن نجد نحن أبناء الوطن العربي طريقة لتقسيم العمل فيما بيننا، ووسيلة حضارية للتبادل، ونظاماً عادلاً يوفق بين الحاجات الاقتصادية والاجتماعية، ويعزز ثقافة موحدة جامعة في ظل التسامح والتنوع بين الثقافات الفرعية.
ولنتذكر أيضاً أن الدول الثلاث في آسيا من غير العرب والتي بات لها وزن أكثر من العرب هي تركيا، وإيران، وإسرائيل ولربما قريباً واحدة أخرى في أفريقيا وهي إثيوبيا. ولكن الدول الثلاث التي تتدخل حالياً في مجريات الوطن العربي الكارثية هي نفسها مهددة بالانقسام، وأن ما يجري في الوطن العربي قد تنتقل عدواه إليها.
إيران ليست في مأمن من الاحتراب الداخلي طال الزمان أم قصر إلا في ظل نظام إنساني سياسي يقبل بالجميع. أما الظلم الممارس ضد السنة وأهل عربستان، فهو غير مقبول ولا دائم.
ونفس الحالة في تركيا، وبدون تفاصيل فإن تركيا فيها أكراد وأتراك وعلويون من هاتين الفئتين. ونحن نرى التوتر الحالي بين أبناء تركيا السنة أنفسهم وبين باقي أطياف الشعب الأخرى.
إن حواراً صريحاً مع هؤلاء الجيران سوف يخفف من غلوائهم إذا شعروا أن الوطن العربي سائر في طريق الإصلاح، وأن استمرار تدخلهم لتقسيم الوطن العربي سوف يصل إليهم.
أما إسرائيل. فهي دولة عنصرية. ولا حل معها إلا إبراز هويتها المتعصبة، وأنها صارت عبئاً على حلفائها لكونها دولة "أبارتايد" من الطراز الأسوأ، وتمكن الوطن العربي من وضع نموذج سياسي إصلاحي سوف يكشف إسرائيل وعنصريتها ويساهم في تحييد نفوذها في العالم.

اقرأ أيضا: أحمد طعمة: تركيا تدعم حكومة المعارضة السورية بالقمح والوقود
المساهمون