كوليرا؟

03 نوفمبر 2015
بلبلة.. بلبلة (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

"بَلبَله بَلبَله.. اخْتِرْعُولِي تَشُوف". تبدو هذه الكلمات شعار بعض اللبنانيّين، في هذه الأيام.

في عام 1969، غنّى شهوان أحد أبطال مسرحيّة "جبال الصوّان" للأخوَين رحباني، "إجا وقت الشغل.. ألْفوا قصص، اخترعوا إشاعات.. خَوْفُوهم، هَدْمُوهم (...) بَلبَله بَلبَله.. اخْتِرْعُولِي تَشُوف".

قد لا يوصَف الواقع اليوم، بأفضل من هذه الكلمات، وإن لم يكن سياق خيال الأمس البعيد وحقيقة اليوم متطابقَين. الأوّل، سياق أحداث "جبال الصوّان" ومحاولات إحباط الأهالي، ليبقى الطاغية "فاتك المتسلّط" مسيطراً على الأرض التي احتلّها. أما الثاني، فهو التهويل الذي يرافق أزمة النفايات الممتدّة في بيروت ومناطق أخرى منذ أشهر.

أزمة اليوم في حدّ ذاتها نكبة حقيقيّة، وسط انفلاش النفايات في الشوارع والأحياء، لا سيّما تلك السكنيّة، بين المنازل والمدارس والمطاعم وملاعب الأطفال. هي نكبة، وسط كلّ الروائح الكريهة المتصاعدة من تلك الجبال التي تشكّلت من أطنان مخلفات منزليّة وصناعيّة، روائح تخنق الأهالي والمارة.. وحتى القطط.

كأنما لا يكفي الناس أن يختنقوا برائحة مخلّفاتهم المقزّزة، كأنما لا يكفيهم أن يتعرّضوا لكلّ تلك الانبعاثات من جرّاء حرقها وما قد تتسبّب به إن طالت، من حالات اختناق والتهابات في الجهاز التنفسيّ. كأنما لا يكفيهم أنّ تسرّب عصارتها إلى الأرض مع ما يعني ذلك من بلوغ المياه الجوفيّة، قد يؤدّي إلى تسمّمات محتملة وإن لم تكن قاتلة.

كأنما لا يكفيهم كلّ ذلك، ويُطرح سؤال عن الفائدة من تخويف الناس من الكوليرا والطاعون.
هل يعلم أيّ من هؤلاء الذين يطلقون حملات تحذّر من "تفشّي" الكوليرا والطاعون، خصوصاً مع غرق النفايات في مياه الأمطار، ماذا تعني الكوليرا؟ وماذا يعني الطاعون؟ هل يعلمون مسبّبات هذَين المرضَين غير المستوطنَين في لبنان؟ هل كلّفوا أنفسهم عناء البحث ولو عبر محرّك "غوغل" عنهما، قبل أن يرفعوا لافتاتهم ويصرّحوا في أحاديث إعلاميّة بزحف "الوباءَين"؟ هل كلّفوا أنفسهم عناء استشارة خبراء قبل أن يُدخلوا الذعر إلى بيوت الناس وقلوبهم؟

التهويل لم يخدم في يوم قضيّة عادلة، التزوير لم يُنجح في يوم حملة محقّة. بعكس ذلك، يدفع بنا إلى الخلف، ليقوّض القضيّة الحقّة التي نرفع لواءها.

في "جبال الصوّان"، كان العميل الكبير يسلّم العميل الصغير أكياس النقود ليوزّعها على هؤلاء الأصغر، أما الرغبة فإحباط أهل الأرض.. "قَطّفْلن يأس وعَبّيلُن سْلالُن يأس". واليوم، تنتشر الشائعات ولا يعلم أحد من أطلقها وكيف تفشّت، لتخلق كلّ تلك البلبلة بين الناس الغارقين في اليأس أصلاً.

يبدو أننا نتوارث ثقافة البلبلة.

اقرأ أيضاً: وطني سئمتكَ
دلالات
المساهمون