09 يونيو 2017
كوريا الجنوبية تواجه "لعنة" الربيع العربي
تظاهر مئات آلاف الكوريين الجنوبيين، مطالبين الرئيسة، بارك جون هاي، بالاستقالة، وهي التي تراجعت شعبيتها إلى مستوىً متدن، بسبب اتهامها بالتواطؤ في عمليات ابتزاز لشركات كورية، كانت تقوم بها صديقتها تشوي سون، بالمشاركة مع موظفين كبار في قصر الرئاسة، كما اتهمت سون بالتدخل في شؤون الدولة. وتحقق الشرطة في اتهامات أن شركة "سامسونغ" قدّمت مساعدات مالية غير قانوينة لابنة تشوي سون. كما حصلت تشوي سن على وثائق سرية، لا يجوز الاطلاع عليها، وأجبرت شركاتٍ كبرى، مثل "هيونداي موتورز" لصناعة السيارات، و"بوسكو" لصناعة الصلب، و"لوتيه"، و"كي تي" للاتصالات، على منحها امتيازات تفضيلية، وأن تتبرع لمؤسسات غير ربحية ترأسها بعشرات ملايين الدولارات، واعترفت الرئيسة بارك أنها لم تتعامل بحذر مع صديقتها سون التي صدرت بحقها مذكرة توقيف بتهمة الاحتيال واستغلال النفوذ.
وفي التحقيق الذي يجريه، استدعى البرلمان الكوري الجنوبي رؤساء هذه الشركات الكبرى، وعددها 53 شركة، إلى جلسة استماع تعقد في الشهر المقبل. وذكر هؤلاء أنهم دفعوا تبرعاتٍ خوفاً من انتقام الحكومة، أو أن تفرض عليهم ضرائب، وكانت الرئيسة، بارك جون هاي، قد التقت في مكتبها ثمانية رؤساء شركات، كما عقدت اجتماعاتٍ مفتوحةً في المكتب الرئاسي مع رؤساء الشركات.
وقد تصل التحقيقات النيابية إلى الرئيسة نفسها، على الرغم من الحصانة التي تتمتع بها، وفقاً للدستور الكوري الجنوبي، وتكون بذلك أول رئيس كورية تخضع للتحقيق في تاريخ البلاد.
الرئيسة، بارك جون هاي، التي انتخبت رئيسة لكوريا الجنوبية في عام 2013 لتكون امرأة رئيسة في بلادها، هي ابنة الرئيس الكوري السابق، بارك شونغ هي (1917 – 1979) والذي قاد انقلاباً عسكرياً عام 1961، وحكم كوريا الجنوبية حكماً دكتاتورياً، حتى اغتياله في 1979. ولكن، ينسب إليه الفضل في النهضة الاقتصادية والصناعية الشاملة التي شهدتها كوريا الجنوبية، وقد اعتبرته مجلة تايم من أهم عشرة آسيويين في القرن العشرين.
وتتوافق الفضائح والاتهامات مع خلافات سياسية كبرى بين الحكومة والمعارضة، واستعدادات الأحزاب للانتخابات الرئاسية في العام المقبل، كما أن كوريا، شأن جميع الدول، شهدت
تحولات اجتماعية وسياسية عميقة، بسبب التطور الكبير في شبكات التواصل الاجتماعي التي مكّنت جماعات اجتماعية واقتصادية، مثل الشباب والتيارات الإصلاحية، من تنظيم نفسها باتجاه أهداف اجتماعية وسياسية جديدة، ومؤثرة في السياسة والمجتمع، كما شهدت الأحزاب السياسية التقليدية تصدّعاتٍ كبرى، إلى درجة أنها تبدو مثل سفينة تغرق، وعلى الرغم من أن، باك جون هاي، استطاعت أن تعيد تنظيم صفوف الحزب الوطني المحافظ، تحت تسمية جديدة (حزب سينوري)، وتنجح في الانتخابات الرئاسية، فإن حزبها الحاكم خسر الأغلبية (128 مقعداً من 300 مقعد) في الانتخابات التي جرت في أبريل/ نيسان الماضي. ما وضع حكومة الحزب في مواجهة معارضة قوية، يقودها الحزب الديمقراطي المتحد، برئاسة وو سانغ هو؛ والذي يهيمن على 121 مقعداً في البرلمان، ويتحالف معه حزبان صغيران، هما العدالة، برئاسة، رو هوي تشان، ( 6 مقاعد) والاستقلال (7 مقاعد).
استطاعت كوريا أن تحقق تقدماً اقتصادياً فريداً ومدهشاً، إذ إنها تطورت من بلد فقير في أوائل الستينات، كان معدل دخل الفرد يبلغ فيه مائة دولار إلى 35 ألف دولار، ويتجاوز ناتجها المحلي 1.2 تريليون دولار، وتحقق تنمية إنسانية عالية جداً، إذ يبلغ مؤشر التنمية فيها 0.897، لكنه تقدم اقتصادي ظل مصحوباً بتحديات سياسية واستراتيجية كبرى، فالبلد الذي قسّم إلى دولتين في الحرب العالمية الثانية يعيش حالة من الصراع الدولي والحرب الباردة، وظل في ذلك استثناءً، لم تشمله نهاية الحرب الباردة في أواخر الثمانينات، ويحتاج أن يقود علاقات خارجية متناقضة وصعبة مع شركاء كبار، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان التي كانت تحتل كوريا، ويحمل الكوريون تجاهها ذكرياتٍ مليئةً بالمشاعر السلبية. وفي الوقت نفسه، يدخلون معها في شراكةٍ اقتصادية كبيرة، كما أنها في حالة صراع، أقرب إلى الحرب مع شقيقتها الشمالية، ويجبرها ذلك على إنفاق دفاعي هائل (33 مليار دولار سنوياً).
وعلى الرغم من أن كوريا الجنوبية تقدمت خطوات واسعة نحو الديمقراطية الليبرالية، منذ عام 1980، فإنها تشهد حالة انقسام سياسي عميق، يمنعها من إدارة مريحة ومستقرة للسياسات الوطنية والخارجية، وتزيدها عمقاً الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم منذ عام 2007، ولم يخرج منها بعد.
ولا تبدو التهم الموجهة إلى الرئيسة هاي خطيرة، أو فساداً كبيراً بالمقياس الشرق أوسطي، بل
وحتى بالمقياس العالمي، فالضغوط التي مارستها على الشركات كانت لأجل التبرع لأعمال خيرية وغير ربحية، لكن ذلك قد يكون غطاءً لفساد، واستخدام غير مشروع للسلطة والنفوذ، وخصوصاً لصديقتها المقربة سون، كما أن عمق الخلاف السياسي وهشاشة الأغلبية التي تحكم بها كوريا الجنوبية يجعل من السهل الضغط عليها وربما إقالتها، .. وتظل السياسة، بما هي حتماً لا مساواة، تعكس قدرة الدول والمجتمعات على بناء محصلة تفاعلات اقتصادية واجتماعية وصراعات معقدة، ففي هذه المدخلات، بما تحتمله من أهواء ومصالح وقيم وسمو وفساد وأخطاء، تتشكل العدالة أو القدرات الجمعية أو الفشل الجمعي في الإدارة العادلة لأجل اللامساواة، وهذا التناقض نفسه هو ما يصنع الفشل أو الازدهار.
وفي التحقيق الذي يجريه، استدعى البرلمان الكوري الجنوبي رؤساء هذه الشركات الكبرى، وعددها 53 شركة، إلى جلسة استماع تعقد في الشهر المقبل. وذكر هؤلاء أنهم دفعوا تبرعاتٍ خوفاً من انتقام الحكومة، أو أن تفرض عليهم ضرائب، وكانت الرئيسة، بارك جون هاي، قد التقت في مكتبها ثمانية رؤساء شركات، كما عقدت اجتماعاتٍ مفتوحةً في المكتب الرئاسي مع رؤساء الشركات.
وقد تصل التحقيقات النيابية إلى الرئيسة نفسها، على الرغم من الحصانة التي تتمتع بها، وفقاً للدستور الكوري الجنوبي، وتكون بذلك أول رئيس كورية تخضع للتحقيق في تاريخ البلاد.
الرئيسة، بارك جون هاي، التي انتخبت رئيسة لكوريا الجنوبية في عام 2013 لتكون امرأة رئيسة في بلادها، هي ابنة الرئيس الكوري السابق، بارك شونغ هي (1917 – 1979) والذي قاد انقلاباً عسكرياً عام 1961، وحكم كوريا الجنوبية حكماً دكتاتورياً، حتى اغتياله في 1979. ولكن، ينسب إليه الفضل في النهضة الاقتصادية والصناعية الشاملة التي شهدتها كوريا الجنوبية، وقد اعتبرته مجلة تايم من أهم عشرة آسيويين في القرن العشرين.
وتتوافق الفضائح والاتهامات مع خلافات سياسية كبرى بين الحكومة والمعارضة، واستعدادات الأحزاب للانتخابات الرئاسية في العام المقبل، كما أن كوريا، شأن جميع الدول، شهدت
استطاعت كوريا أن تحقق تقدماً اقتصادياً فريداً ومدهشاً، إذ إنها تطورت من بلد فقير في أوائل الستينات، كان معدل دخل الفرد يبلغ فيه مائة دولار إلى 35 ألف دولار، ويتجاوز ناتجها المحلي 1.2 تريليون دولار، وتحقق تنمية إنسانية عالية جداً، إذ يبلغ مؤشر التنمية فيها 0.897، لكنه تقدم اقتصادي ظل مصحوباً بتحديات سياسية واستراتيجية كبرى، فالبلد الذي قسّم إلى دولتين في الحرب العالمية الثانية يعيش حالة من الصراع الدولي والحرب الباردة، وظل في ذلك استثناءً، لم تشمله نهاية الحرب الباردة في أواخر الثمانينات، ويحتاج أن يقود علاقات خارجية متناقضة وصعبة مع شركاء كبار، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان التي كانت تحتل كوريا، ويحمل الكوريون تجاهها ذكرياتٍ مليئةً بالمشاعر السلبية. وفي الوقت نفسه، يدخلون معها في شراكةٍ اقتصادية كبيرة، كما أنها في حالة صراع، أقرب إلى الحرب مع شقيقتها الشمالية، ويجبرها ذلك على إنفاق دفاعي هائل (33 مليار دولار سنوياً).
وعلى الرغم من أن كوريا الجنوبية تقدمت خطوات واسعة نحو الديمقراطية الليبرالية، منذ عام 1980، فإنها تشهد حالة انقسام سياسي عميق، يمنعها من إدارة مريحة ومستقرة للسياسات الوطنية والخارجية، وتزيدها عمقاً الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم منذ عام 2007، ولم يخرج منها بعد.
ولا تبدو التهم الموجهة إلى الرئيسة هاي خطيرة، أو فساداً كبيراً بالمقياس الشرق أوسطي، بل