كورونا يكشف انعدام الثقة بين الأوكرانيين والسلطة

30 مارس 2020
88 بالمائة من الأوكرانيين قلقون من انتشار كورونا ببلدهم(Getty)
+ الخط -

لم يكد يمرّ عام على توليه زمام السلطة في أوكرانيا، حتى اصطدم الممثل الكوميدي السابق، الرئيس الأوكراني الحالي فلوديمير زيلينسكي، بتحدي مواجهة تمدّد فيورس كورونا المستجد، بتداعياته الاقتصادية والاجتماعية بالغة الخطورة.

وبحلول نهاية الأسبوع، بلغ عدد الإصابات المسجلة بالفيروس في أوكرانيا 310 حالات، بما فيها خمس وفيات، في ظلّ فرض حجر صحي كامل، وصل إلى حدّ إغلاق مترو الأنفاق في العاصمة كييف، ومنع دخول الأجانب إلى البلاد، وغيرها من الإجراءات الحازمة، ووسط تزايد اعتماد زيلينسكي على وزير داخليته، أرسين أفاكوف، في معالجة الأزمة، وطلبه دعماً من أصحاب المال المسيطرين على الاقتصاد.

في السياق، يرى الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، أنّ أزمة كورونا "كشفت حالة انعدام الثقة بين الأوكرانيين ومنظومة السلطة التي يسيطر عليها مسؤولو أجهزة القوة وطبقة الأوليغارشيا"، محذراً من أن تعيد الأزمة الراهنة البلاد "إلى نظام إقطاعي بحت". ويقول سيميفولوس في اتصال مع "العربي الجديد" من كييف: "تزامن وباء فيروس كورونا مع تغيير الحكومة الأوكرانية، وقد أصيب أعضاؤها بحالة من الذعر والرعب والهستيريا، وهو ما يقلل من ثقة المجتمع بهم. أضف إلى ذلك أنّ السلطة باتت متعثرة مالياً، فلم يعد أمامها خيار سوى طلب دعم من الأوليغارشيا، ما يعني أننا سنعود إلى زمن النظام الإقطاعي، على الرغم من أنّ زيلينسكي ظلّ طويلاً ينفي أنه سيقدم على مثل هذه الخطوة". وسبق لزيلينسكي أن عقد في منتصف مارس/ آذار الحالي، اجتماعاً مع كبار رجال الأعمال الأوكرانيين لمناقشة كيفية دعمهم لإجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد في البلاد، وفق بيان نشر على الموقع الرسمي للرئاسة الأوكرانية. وبحسب وسائل إعلام أوكرانية، إلى جانب إنشاء صندوق لشراء المعدات الطبية ووسائل الوقاية، قَبِل رجال المال بالوصاية على مقاطعات معينة.

وحول أسلوب تعامل الرئيس الأوكراني مع الأزمة ودور وزير داخليته أرسين أفاكوف، يقول سيميفولوس: "نكاد لا نرى أو نسمع زيلينسكي. وحتى في مقاطع الفيديو المسجلة له، يكاد لا يخاطب الشعب بشأن مواجهة أزمة كورونا، مسنداً هذه المهمة إلى أفاكوف الذي بات يؤدي دور المستشار أو ربما الرئيس نفسه".

ومتحدثاً عن أسباب عدم استعداد أوكرانيا لمواجهة كورونا، يوضح سيميفولوس أنّ "هناك حالة من اللامبالاة والاستهتار بالمخاطر سائدة في أوكرانيا، شأنها في ذلك شأن غيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق والإمبراطورية الروسية"، مضيفاً "ولكن هذا الوضع تكرر حتى في الدول الأوروبية المتقدمة، حيث يصعب على البشر أجمعين التعامل مع الفيروسات غير المرئية والأوبئة". ويتابع "كما أنّ التجربة الصينية الناجحة في السيطرة على الوضع لا تصلح لأوكرانيا، كون الصين دولة تجمع بين نظام حكم استبدادي ودرجة عالية من الالتزام بين السكان، وهو ما لا ينطبق على الأوكرانيين".

ومع تزايد دور وزير الداخلية في مواجهة كورونا، وصفت صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية أفاكوف بأنه بات "سيد الموقف"، مشيرة إلى أن خطة العمل التي أعدها للتعامل مع الأزمة ولهجة التصريحات تولدان شعوراً بأن زيلينسكي هو رئيس تابع له وليس العكس، متسائلة عما إذا كان "كوفيد-19" سيجعل أفاكوف رئيساً للبلاد.

وأظهر استطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، خلال الفترة من 21 إلى 24 مارس/ آذار الحالي، أنّ 88 في المائة من الأوكرانيين قلقون من انتشار فيروس كورونا في بلادهم، و35 في المائة من ضمن هؤلاء قلقون جداً، فيما أعرب 40 في المائة فقط عن تأييدهم لتشديد إجراءات الحجر الصحي.

من جهته، يتوقّع الباحث المتعاون مع مركز "كارنيغي" في موسكو، قسطنطين سكوركين، بأنّ حالة الفوضى السائدة في أوكرانيا نتيجة للوباء، قد تغذي النزعة التسلطية في المجتمع، وحتى قد تعزز التوجه نحو التقارب مع روسيا في حال نجاح هذه الأخيرة في مواجهة الوباء.

وفي مقال بعنوان "الولادة الجديدة الفيروسية: كيف يغير الوباء السياستين الداخلية والخارجية لأوكرانيا"، نشر بموقع "كارنيغي"، يوضح سكوركين أنه "على الرغم من التأييد العالي نسبياً الذي يحظى به زيلينسكي، إلا أنّ ثقة الأوكرانيين في أعمال السلطة لا تزال معدومة، وهو ما يشكل أحد أهم المبادئ في تحديد سلوكهم".

وتوقع كاتب المقال أن تشكّل إجراءات الحجر الصحي ضربة قوية للاقتصاد الأوكراني المتراجع في ظلّ عدم توفر احتياطات كبيرة، على غرار تلك التي تخصصها الدول الغنية لدعم قطاع الأعمال. أضف إلى ذلك خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، وتعذر جذب الاستثمارات الأجنبية لمدة نصف عام على الأقل، وتهاوي تحويلات المغتربين الأوكرانيين في الاتحاد الأوروبي التي بلغت نحو 12 مليار دولار في العام الماضي.

ويرى سكوركين أنّ إغلاق سوق العمل الأوروبي أمام الأوكرانيين قد يؤدي إلى تزايد التشكيك في التكامل الأوروبي بعد "انتصار الأنانية القومية على التضامن في مواجهة الوباء"، وهو ما قد يعزز التوجه الموالي لروسيا في السياسة الأوكرانية، حسب مدى فاعلية موسكو في مواجهة "كوفيد-19"، وفق قوله.

إلا أنّ الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، لا يشارك سكوركين هذا الرأي، ويقول: "الدعاية الروسية هي التي تروج للتشكيك في التكامل الأوروبي، وهناك قدر كبير من التضامن في أوروبا تبلور بعد تراجع حالة الذعر، وباتت هناك نماذج إيجابية لمكافحة الفيروس بفاعلية من دون انتهاك حقوق الإنسان".

يذكر أنّ حجم انتشار الوباء في روسيا لا يزال أقل حدة منه في غيرها من البلدان الكبرى، على الرغم من تجاوز الإصابات عتبة 1500 حالة، وسط إجراءات حجر صحي صارمة، بما فيها منع دخول الأجانب، وإلغاء الفعاليات العامة، وتحويل المدارس والجامعات نحو نظام التعليم عن بُعد وإعلان عطلة لمدة أسبوع حتى 5 إبريل/نيسان المقبل.

المساهمون