كورونا يطيح القدرة الشرائية للعراقيين

28 ابريل 2020
موجات غلاء جديدة تضرب الأسواق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

 

أفرزت الخسائر القياسية التي تكبدها القطاع الخاص في العراق بسبب إجراءات حظر التجوال والإغلاق العام الذي فرضته السلطات العراقية في البلاد، تراجعا حادا في القدرة الشرائية للمواطنين عموما، فضلا عن ارتفاع مؤشر الفقر في البلاد الذي طاول الأسر ذات الدخل المحدود والعاملين بالأجر اليومي.

وشملت إجراءات الحظر إغلاق المنافذ الحدودية وتجميد عمليات الاستيراد ومنع نقل البضائع بين المدن والتي قدرها مراقبون بمئات الملايين من الدولارات، الأمر الذي قلص دخول العراقيين وأضعف قدراتهم الشرائية.

ووفقا لمسؤولين عراقيين وخبراء اقتصاد تحدثوا لـ"العربي الجديد" فإنه بالتزامن مع الأزمة المالية لدى الحكومة إثر انهيار أسعار النفط، تعرض القطاع الخاص لضربات موجعة أفرزت آثارا سريعة داخل المجتمع العراقي تمثل في تراجع قوة الشراء وزيادة واضحة بمعدل الفقر طاولت أصحاب الأجور اليومية من سائقي سيارات الأجرة والباعة الجائلين وعمال البناء والمطاعم والشركات الخدمية المختلفة.

قال مسؤول في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنه لا توجد أي نية لتعويض القطاع الخاص أو منحه مساعدات مالية بالوقت الحالي لصعوبة الوضع المالي العام في البلاد".

وأكد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن ما لا يقل عن مليون عراقي إضافي دخلوا ضمن خط الفقر بسبب كورونا، حيث فقدوا مدخولهم اليومي منذ أكثر من شهر، ولجأ الكثير منهم الى بيع ممتلكاتهم الشخصية لتدبر أمورهم"، موضحا أن منحة الـ30 ألف دينار (نحو 25 دولار) التي تستعد الحكومة لتقديمها هو أفضل من لا شيء". وكان البنك الدولي قد أكد في تقرير سابق عام 2018 أن خط الفقر في العراق تجاوز 22%.

وفي حديث مع "العربي الجديد" قال نائب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان العراقي، حسين عرب، إن "العراق يعيش أزمة اقتصادية كبيرة انعكست سلباً على المستوى المعيشي للفرد، وزادت من معدل الفقر" الذي يبلغ أكثر من 20% في الأوضاع الطبيعية.

وأضاف عرب أن حظر التجوال الاحترازي الذي فرضته الحكومة العراقية لمنع تفشي فيروس كورونا أثر بشكل كبير على الوضع المعيشي لأكثر من 13 مليون عائلة عراقية ممن يعتمدون في تحصيل قوتهم على الأجر اليومي، وساهم بضعف القدرة الشرائية بين العراقيين بنسبة عالية جدا، وخصوصاً في شهر رمضان الفضيل، الذي يمتاز بخصوصيته لدى المسلمين في كل إنحاء العالم، ومنهم العراقيون".

وأشار نائب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية إلى أن الظروف الاقتصادية والمعيشية العامة وتدني معظم الأجور وتسريح آلاف العاملين في القطاع الخاص وفرض الضرائب من جهة أخرى، ساهمت بشكل كبير في ضعف القدرة الشرائية ولجوء المستهلكين إلى شراء ما هو ضروري لمعيشتهم فقط والتركيز على أساسيات ما يحتاجونه في هذا الشهر المبارك".

انعكس تدهور الإيرادات المالية بسبب تهاوي أسعار النفط على حياة المواطنين، إذ يقدر أعضاء في اللجنة المالية بالبرلمان العراقي العجز العام في موازنة البلاد للعام الحالي بأكثر من 45 مليار دولار، بسبب نزيف إيرادات النفط، وما يفاقم الأزمة المالية للبلاد هو قيامها بخفض الإنتاج حسب اتفاق أوبك+.

من جهتها، قالت البرلمانية انتصار الجبوري، إنه "في ظل الأزمة الاقتصادية والظروف العصيبة التي يعيشها العراق نتيجة انهيار أسعار النفط وعدم إقرار الموازنة، وفرض حظر التجوال الذي أدى إلى قطع أرزاق الكثير من الأُجراء باليومية، شهد العراق تراجعا في القدرة الشرائية للمواطنين في شهر رمضان بالقياس مع بقية الأشهر".

وأضافت الجبوري في حديثها لـ"العربي الجديد" أن أولويات المواطن تغيرت، فهو لم يعد يحتمل المزيد من الأعباء وغلاء الأسعار بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 1225 دينار عراقي لكل دولار، كما أن الحكومة تحمّل المواطن مسؤولية العجز الكبير في الموازنة، الذي تسبب بتأخر الرواتب لملايين الموظفين في دوائر الدولة.

وأشارت إلى أن رمضان هذا العام مختلف تماماً عن بقية الأعوام بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة، حيث غابت الكثير من الأكلات العراقية عن موائد الإفطار كما ضعفت الكثير من الطقوس والعادات المعيشية والاجتماعية التي تمارس في هذا الشهر.

من جانبهم، أكد تجّار ومواطنون لـ"العربي الجديد" أن الإجراءات الحكومية وفرض أعباء جديدة على العراقيين ساهما في ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، ما فاقم الأزمات المعيشية.

وعزا التاجر، عدي المرسومي، سبب ضعف القدرة الشرائية إلى الغلاء الفاحش في الأسعار نتيجة فرض الحكومة العراقية ضرائب جديدة على السلع، فضلا عن ضعف السيولة النقدية لدى العراقيين.

وقال المرسومي في حديث مع "العربي الجديد" إنه "نتيجة للعجز الكبير في الموازنة وانهيار أسعار النفط فرضت الحكومة ضرائب جديدة على البضائع والسلع المستوردة تتراوح ما بين 5 و8% من قيمتها، ناهيك عن الإتاوات التي تفرضها نقاط التفتيش على شاحنات النقل والتي تتراوح ما بين ألف وألفي دولار لكل شاحنة، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار البضائع".

وأضاف أن "هذه الإجراءات أثرت بشكل كبير على حركة التسوق في شهر رمضان الذي اعتاد فيه العراق على التسوق أكثر من بقية الشهور بسبب الضائقة المادية التي تعيشها أغلب العائلات نتيجة لتعطيل مصالحها وتأخر الرواتب لبعض دوائر الدولة"، لافتاً إلى أن المتضرر الأكبر من هذه الإجراءات هو المواطن البسيط".

وأشار التاجر العراقي إلى أن عجلة الحياة في العراق تعطلت بشكل كبير، ولا تجد البضائع المستوردة والمحلية في الأسواق من يشتريها بسبب الظروف الاقتصادية التي يعانيها البلد"، منبهاً إلى أن العراقيين اليوم همهم الوحيد هو كيفية تقليص المصروفات اليومية وتدبير متطلبات المنزل والحياة اليومية بأقل ما يمكن".

وفي سياق ذلك، قال المواطن صلاح الحمداني، لـ"العربي الجديد" إن "الضائقة المالية التي يعيشها العراق بسبب العجز الكبير في الموازنة وانهيار أسعار النفط وتعطيل الأعمال بسبب تفشي فيروس كورونا ناهيك عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، أثرت بشكل كبير على قدرة الفرد الشرائية وزادت من معاناة المواطنين".

وأضاف أن "أغلب العائلات ركزت على المواد الأساسية مثل الدقيق والرز والبقوليات وتركت الكثير من المواد غير الأساسية التي اعتاد العراقيون عليها في شهر رمضان بسبب قلة السيولة النقدية وانقطاع وتأخر الرواتب وارتفاع الأسعار وانعدام وتدهور القطاع الخاص".

وإلى ذلك، قال المواطن حسن البهادلي لـ"العربي الجديد" إن كثيرا من العائلات العراقية انقطعت أرزاقها بسبب تأثر وتوقف الكثير من مجالات القطاع الخاص كالسياحة والتجارة بالإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا، ما أثر سلباً على الكثير من أصحاب الدخل المحدود".

وأضاف أن أعدادا كبيرة من العائلات، وخصوصا التي تعيش تحت خط الفقر، انقطعت بها السبل ولم تحصل على ما تسد به رمقها وباتت تعيش على ما تقدمه إليها المنظمات الخيرية والتطوعية.

بدوره قال أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة السلام، فاضل العطية، إن" أكثر من 60% من العراقيين تأثروا بشكل كبير جراء الأزمات المتراكبة التي يعيشها العراق، وخصوصاً الفئات المتوسطة والمعدومة الدخل التي تعتمد في الحصول على قوتها على الأجور اليومية التي تأثرت بنسبة 90%".

وأضاف أن "حركة التسوق خلال شهر رمضان انخفضت إلى النصف على عكس بقية الأعوام"، منبهاً إلى أن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد فاقم من معاناة العراقيين وأعاد إلى أذهانهم أيام الحصار الأميركي على العراق إبان التسعينيات".