تأثرت أسواق الصرف الرسمية سلبا مع حالة الركود التي ضربت الاقتصاد الجزائري بفعل تفشي فيروس كورونا، وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، مع فقدان أسعار النفط 70% من قيمتها خلال الربع الأول من العام الجاري 2020، إذ فقد الدينار تماسكه مقابل الدولار واليورو في تعاملات البنوك.
وخسرت العملة الجزائرية، أمس الأحد، أكثر من 4 دنانير أمام الدولار، حيث بلغ سعر الصرف 127.02 دينارا للدولار الواحد، بعدما كان عند 123 دينارا، كما ربح اليورو هو الأخر من الدينار، بعدما قفز سعره من 135 إلى 137.
وترجع خسارة الدينار لشيء من بريقه أمام العملات الأجنبية، إلى تبنّي البنك المركزي الجزائري سياسة تعويم الدينار، عند الضرورة، حيث سبق وأن فقد الدينار جزءا كبيرا من قيمته خلال العام الماضي، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
وفي بداية الأزمة النفطية منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية يساوى 83 دينارا لكل دولار، ثم تهاوى إلى 118 دينارا في 2018، ثم 123 طيلة 2019 ومطلع 2020.
وقدمت الحكومات المتعاقبة منذ 2014، تبريرات بأن تعويم العملة كان جزئيا فقط، والهدف منه امتصاص ارتدادات الصدمة النفطية التي أضرت باقتصاد البلاد.
ووجهت الأوساط الاقتصادية انتقادات للحكومات المتعاقبة منذ 2014، بإخضاع سعر صرف الدينار (التعويم الجزئي) لإملاءات سياسية إدارية من قبل رئاسة الجمهورية والحكومة، بدلا من تركه للتحركات الاقتصادية وقوى العرض والطلب.
وحسب الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، فإن البنك المركزي الجزائري استغل التطورات الصحية المترتبة على تفشي كورونا، لتعويم قيمة الدينار، وامتصاص التضخم، وكبح فاتورة الواردات، الذي أمر الرئيس عبد المجيد تبون بتقليصها 10 مليارات دولار.
وأضاف نور الدين، لـ "العربي الجديد"، أن "تحرك المركزي لم يكن بفعل كورونا فقط، بل تخوّفه من استمرار تهاوي عائدات النفط وبالتالي التآكل السريع لاحتياطي الصرف، الذي بلغ 62 مليار دولار، والمنتظر أن يهوي إلى ما دون 50 مليار دولار".
وأعلن البنك المركزي، في مطلع شباط/فبراير، أن احتياطيات النقد من العملات الأجنبية انخفضت إلى 62 مليار دولار في نهاية 2019، مقابل نحو 80 مليار دولار في نهاية 2018 و97 ملياراً في نهاية 2017. وتوقعت الحكومة في موازنة سنة 2020 تراجع الاحتياطي إلى 51.6 مليار دولار مع نهاية العام الجاري.
ويقول نور الدين: "انزلاق الدينار يترتب عليه العديد من الآثار السلبية، منها ارتفاع أسعار بعض المواد والمنتجات، في وقت تسعى الحكومة إلى ضبط الموجة التضخمية التي تعدت عتبة 4.5%، وهي قفزات ستمس الأسعار المرتفعة حاليا بفعل ارتفاع الطلب الذي خلفه هلع المواطنين من ندرة المواد التموينية."
وعكس التعاملات الرسمية، عرف الدينار ارتفاعاً أمام العملات الأجنبية في السوق السوداء، ليس بسبب ارتفاع مؤشرات الاقتصاد، بل نتيجة تراجع الطلب على النقد الأجنبي من قبل المستوردين والمواطنين.
في سوق "السكوار" السوداء للعملة الصعبة وسط العاصمة الجزائر، يواصل الدينار تقدمه أمام العملة الصعبة، فسعر اليورو تراجع من 190 ديناراً قبل شهر، 183 دينارا. أما الدولار، فانخفض من 179 ديناراً في شهر مارس/آذار إلى 166 دينارا أمس، بعدما كان عند 184 ديناراً مطلع فبراير/شباط.
ورغم تراجع قيمة الدينار، تعيش سوق الصرف الأجنبي حالة غير مسبوقة من الركود، حسب سماسرة وباعة عملة صعبة، بسبب انعدام الطلب وارتفاع العرض، ومردّ ذلك، بحسبهم، إلى "شبح فيروس كورونا".
وقال تاجر عملة يدعى كمال، إن "كورونا قتل السوق في فترة حساسة تتميز بقرب عمرة رمضان، ورحلات السياحة إلى تركيا وجنوب أوروبا، ففي العادة، يستغل الجزائريون هذه الفترة للسفر إلى جنوب أوروبا بحثاً عن دفء الربيع بعد موسم الشتاء، من دون أن ننسى موسم العمرة، الذي يعتبر محركاً لطلب الدولار".
وليست العمرة والرحلات السياحية وحدهما وراء ضرب سوق العملة السوداء، فالتراجع الكبير على طلب العملات الأجنبية، خاصة الدولار، مرده عزوف المستوردين عن دخول السوق، وذلك بعد شلل نشاطهم جراء الإجراءات التي اتخذتها الجزائر، لكبح تفشي جائحة كورونا.
واتخذ الرئيس عبد المجيد تبون حزمة من القرارات التقشفية لمواجهة تهاوي عائدات النفط. وأمر في اجتماعه مع الحكومة يوم 22 مارس/آذار الماضي، وزير المالية بضرورة تأجيل دراسة مشروع الموازنة التكميلية إلى حين تقييم انعكاسات الإجراءات المالية المتّخذة على مستوى الحكومة، وتطور الوضع في العالم. كما أمر تبون الحكومة بضرورة تخفيض قيمة فاتورة الاستيراد من 41 إلى 31 مليار دولار، لحماية احتياطي البلاد من العملة الصعبة.