بعدما كان وباء كورونا تحدياً للنظام الصحي في ليبيا، وخطراً يمكن أن يطرق باب كل ليبي في أي لحظة في ظلّ تراجع الخدمات الصحية، تحوّل إلى كاشف فعلي لحقيقة وجود انقسام حكومي في البلاد. وحتى أمس، الأربعاء، بلغ عدد المصابين بالفيروس في ليبيا 59 شخصاً. وباستثناء أول حالة أعلن عنها في 24 مارس/ آذار الماضي في طرابلس، لم يحدد "المركز الوطني لمكافحة الأمراض"، المكلف رسمياً بمجابهة تفشي الفيروس، مناطق المصابين طيلة هذه المدة. وأكد مسؤولو المركز مرات عدة رداً على أسئلة وسائل إعلامية حول عدم تحديد مناطق المصابين، أنّ ذلك لسدّ الباب أمام التجاذبات السياسية، وهو ما يبدو أنّ المركز نجح في فعله. فعلى الرغم من إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن إنشاء "اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا"، إلا أنها لم تجد مجالاً للعمل. في المقابل، توحّدت جهود وزارتي الصحة في الحكومتين، الوفاق في طرابلس والمؤقتة في البيضاء، فاعتمدت مراكز الصحة في بنغازي على نتائج الفحوصات التي يجريها المختبر المرجعي في طرابلس، وتجاوب عدد من بلديات الشرق والجنوب التي تقع في نطاق سيطرة حفتر، مع الإجراءات التي أعلن عنها المركز الوطني في طرابلس. وقبلها، قامت وزارة الصحة في طرابلس بتسييل مخصصات مادية لعدد من تلك البلديات من دون الالتفات لتحذيرات اللجنة العليا التابعة لحفتر.
في الأثناء، كان قطاع عريض من الليبيين وراء مؤازرة وحدة الأطباء، أو الجيش الأبيض كما يسميه ناشطون ليبيون، كأول جيش نجح في توحيد ليبيا، عندما استنكروا بشدة محاولة وسائل إعلام موالية لحفتر وصف رصد أكثر حالات الإصابة بكورونا في مدينة مصراتة، على أنه "عقوبة إلهية" و"انتصار للجيش".
وبلا أي معارضة أو مواصلة للمواقف المتشددة السابقة، واصل "المركز الوطني لمكافحة الأمراض"، نشر بياناته من طرابلس لرصد أي جديد بشأن انتشار الفيروس عبر 19 لجنة أطلق عليها اسم لجان الرصد والاستجابة السريعة، وأكد أنها تنتشر في شرق وجنوب البلاد كما في غربها. الظاهرة لفتت انتباه الكثير من الناشطين الذين اعتبروها دليلاً على أنّ أزمة بلادهم "مفتعلة"، وأنّ كورونا على الرغم من خطره، له "فضل كبير" في إظهار الجوانب المشتركة المتينة التي لا تجمع الشعب الليبي فقط، بل كوادر الدولة أيضاً، وأظهرت كذلك زيف الانقسام الحكومي الوهمي.