لم تتمكن بلدان المغرب العربي في الأعوام الأخيرة، من التخفيف من استيراد الحبوب، الذي يثقل على رصيدها من النقد الأجنبي، ويؤبد تبعيتها للسوق الدولية، التي يمكن أن تتفاقم مع التغيرات المناخية.
ولن تسلم دولة المغرب من اللجوء المكثف إلى استيراد الحبوب من السوق العالمية هذا العام بعد توقع تراجع المحصول إلى 3 ملايين طن، من 5.2 ملايين طن. وكذلك سيكون حال تونس، التي توقعت تراجع المحصول من 2.4 مليون طن إلى 1.57 مليون طن.
ورغم تأكيد الجزائر على ترقب محصول في حدود 5.3 ملايين طن من الحبوب، إلا أن ذلك لا يمثل سوى ثلث حاجيات البلد من الحبوب التي تقدر بـ15 مليون طن.
عدم ثبات محصول الحبوب في البلدان المغاربية، بسبب ارتهانها للتساقطات المطرية، يجعلها من أكبر المستوردين في العالم، فمن المتوقع أن تصل واردات المغرب في العام الحالي إلى حوالي 8 ملايين طن، بينما واردات الجزائر حوالي 10 ملايين طن.
وكان انتشار الفيروس أفضى إلى ارتفاع ملحوظ في مشتريات السلع الغذائية في المنطقة، حيث سعت الأسر إلى تكوين مخزون من الدقيق والحليب والأرز والخضر والسكر والزيوت، ما أفضى إلى ارتباك سلسلة التوزيع، وساهم في ظهور المضاربة وارتفاع الأسعار.
وبادرت الحكومتان في تونس والجزائر إلى التأكيد على توفير مخزون من القمح لتزويد السوق والاستجابة لطلب الأسر. وكذلك فعلت الحكومة المغربية التي حرصت على اتخاذ تدابير لضمان مخزون استراتيجي من القمح وتسهيل تزويد السوق بالخضر، بل إن بلدان تلك المنطقة سعت إلى احتواء ارتفاع الأسعار.
ويعتقد خبراء اقتصاد أن الأزمات المناخية التي تتسبب في الجفاف في البلدان الثلاثة، والأزمات الاقتصادية يمكن أن تفاقم مخاطر عدم الاستقرار السياسي، معتبرين أن الوعي بالمخاطر السياسية من قبل تلك البلدان، المرتبطة بنقض الغذاء يمكن أن يقود إلى الشراء بكثافة من الأسواق بهدف تكوين مخزونات استراتيجية.
وينبهون إلى أنه في حالة البلدان المغاربية، كما بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، يمكن أن يفضي الشراء الذي يمليه الذعر بسبب كورونا إلى نوع من التضخم في سوق السلع الغذائية، ما من شأنه أن يتسبب في اختلالات في السوق وتأجيج المضاربات.
ويشير عمر أزيكي، عضو فرع الجمعية الدولية "أطاك" بالمغرب، إلى أن دراسة أنجزتها الجمعية حول السيادة الغذائية، توصلت إلى أن المغرب الذي كان مصدرا للحبوب والقطن في الستينيات من القرن الماضي، أضحى مستوردا لتلك السلعتين.
وأشار أزيكي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المغرب الذي راهن على تصدير الخضر والفواكه، افترض أن عائداتها ستتيح له تأمين حاجياته من المنتجات الغذائية، غير أنه تجلى أن تلك الصادرات لا تغطي سوى نصف واردات المملكة من الغذاء والسلع الفلاحية، علما أن الحبوب تمثل فيها حوالي 37 في المائة.
ويتصور أن مسألة السيادة الغذائية تطرح بحدة في ظل كورونا على اعتبار أن العديد من البلدان سعت إلى تأمين مخزون كاف من الأغذية، ما يجعل بلدا مثل المغرب يعاني من أجل تأمين حاجياته من الحبوب مثلا.
ويرى أن فرضية المجاعة لا تطرح في السياق المغربي، باعتبارها حالة تحيل على احتمال عدم توفر ما يقيم أود الناس، حيث يشدد على أنه يمكن النظر إلى الموضوع من زاوية سوء التغذية، على اعتبار أن الناس قد لا يجدون ما يكفي من السلع المغذية والمفيدة للنمو، خاصة بالنسبة للأطفال.
ويعتبر أن الارتهان للخارج من أجل توفير الغذاء، يجعل البلدان رهينة للوسطاء في السوق العالمية، ما يدفع إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي يتحملها المستهلكون.
وكانت الوكالة الأيرلندية للمساعدة الإنسانية "كونسورن وولدوايد" والمنظمة غير الحكومية الألمانية "وولتنكورهيلف"، صنفت في العام الماضي المغرب والجزائر وتونس في المؤشر العالمي للمجاعة، ضمن البلدان التي لا توجد تحت تهديد محدق من المجاعة في الوقت الراهن.
ويذهب محمد الهاكش، الناطق الرسمي، باسم منظمة "فيا كابيسينا" بالمغرب، إلى أنه عوض التركيز على الأمن الغذائي الغامض الذي يفترض أن يمكن توفير الغذاء عبر شرائه من السوق الدولية، يجب التشديد على السيادة الغذائية في المنطقة، بما يساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، التي تتمثل في الخبز والزيوت والسكر.
وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مزارعين مغاربيين، يسعون إلى الدفاع عن تحقيق نوع من السيادة الغذائية في المنطقة، بما يساعد على بلوغ الاكتفاء الذاتي، والدفاع عن حقوق المزارعين الصغار، في مواجهة الشركات الكبيرة التي تركز على التصدير على حساب السلع الأساسية، مثل الخبز والزيوت والسكر.