كندا تستعيد رسالتها

27 أكتوبر 2015

جاستن ترودو بين أنصاره بعد فوز حزبه (20 أكتوبر/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
عُرف عن كندا، في الماضي القريب، أنها كانت في أميركا الشمالية تلعب دوراً إيجايباً متناغماً مع سياسات دول عدم الانحياز، والمشاركة الفعلية في التدخل في حل النزاعات سلمياً، كما في إسهاماتها بإرسال قوات للمشاركة في حفظ السلام. وكان معروفاً عن رئيس وزرائها السابق، لستر بيرسون، أنه أحد كبار دعاة حركات التحرر من الاستعمار وداعميها، كما جعل كندا عاملاً رئيسياً لدعم الأمم المتحدة ومؤسسات دولية كثيرة تساهم في تأمين مشاريع التنمية المستدامة. وقد ساهم رؤساء الوزراء بعده في ترسيخ هذه القواعد التي أصبحت من ثوابت السياسة الدولية لكندا. وفي هذا الموضوع، عندما تبوأ بيار إليوت ترودو الحكم عمل على تنفيذ المبادئ والسياسات التي أرساها بيرسون، كما تميزت ممارسات هذه السياسة بسرعة إنجازاتها التي مكّنت كندا من أن تطور هذه السياسات، مع الاحتفاظ بثوابت التزاماتها التقليدية، إلى أن جاء حزب المحافظين بقيادة هاربر الذي حرف التوجه لليبرالي والسياسة الخارجية المنفتحة على دعم الأمم المتحدة والمساهمة في حل المشكلات العالقة، خصوصاً في دول العالم الثالث.
ومن هذا المنظور، كان انحراف حزب المحافظين، بقيادة هاربر، عن الثوابت الكندية المعروفة، وخصوصاً فيما يتعلق بإقامة علاقات خاصة وقوية، حتى الشخصية، مع القيادة الاسرائيلية، وخصوصاً مع نتنياهو، ما دفع كندا إلى أن تتحول حليفاً لإسرائيل، بعد أن كان دورها إيجابياً في دعم القضية الفلسطينية، كما في الإسهام المميز في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، واهتمامها بإشعار المقيمين الجدد، بمن فيهم الجاليات العربية والإسلامية، بجذرية انتمائهم كمواطنين، كون الليبرالية الكندية ساهمت بأن المواطنة تنطوي على حرص تنوعهم، وليس تعددهم. هذا ضمن حقوق التساوي بين جميع المهاجرين إلى كندا، وجعل المجتمع الكندي أكثر انفتاحاً على الحضور المتنوع، ورفض نظرية تعددية مكونات المجتمع الكندي ومقوماته.
جاءت الانتخابات في كندا، أخيراً، لتضمن استعادة ثوابت السياسة المنفتحة على ضمان حقوق المواطنين، وكرامتهم ومساواتهم، كما الحيلولة دون التمييز بين الأديان والأعراق والخلفيات الإثنية التي يتكون منها المجتمع الكندي. ويتطور، في هذه الحالة، الارتياح الذي يشعر به المواطنون، خصوصاً الآن بعد الانتصار الساحق الذي أعاد الحزب الليبرالي إلى الحكم، كما رسخه بيار ترودو الأب، ويسعى ابنه جاستن ترودو إلى مزيد من الانفتاح والتكيف مع المستجدات، وتأمين مزيد من التوازن في سياسة كندا الخارجية، وعودة ثوابت كندا الأساسية في الانفتاح واحترام الآخر وتأمين حقوق من حرموا منها في أيام حكومة المحافظين. وهذا ما يفسر الارتياح العام لكل مكونات المجتمع الكندي، من حيث ضمان حقوقهم وحقوق الأجيال المقبلة، ليس منّة من الحكومة، بل حقاً أصبح حاضراً بوضوح والتزام.
في نهاية الأمر، جاء الانتصار الرائع لتمكين جاستن ترودو من أن يأخذ المبادرات التي يلتزمها، ويسعى إلى تسريع تنفيذها، كما كان واضحا في خطاباته في الحملة الانتخابية التي استولدت، ليس فقط حماسة أو تأييداً، بل رسوخ قناعة بأن الكبت الذي عانت منه كندا في عهد هاربر المحافظ أزيل من أجل إعادة الانفتاح، والاستنارة التي عُرفت بها كندا، وأن ترودو الابن مصمم على إعادة الرسالة الكندية إلى أصالتها.
وسوف تساهم كندا، بقدر الإمكان، بتعميق أواصر العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، ومن بوادر ذلك إعلان ترودو مبادرته استقبال 25 ألف لاجئ من المنطقة، بحيث يصبحون مواطنين كنديين، لهم جميع الحقوق، وعليهم جميع الواجبات التي يضمنها الدستور.
رجاؤنا الآن أن تؤكد الجاليات العربية حقوقها، وتؤمن استمرار وحدتها، حتى تصبح خميرة لتسريع الحلول البناءة للمشكلات والقضايا العالقة والمعاناة السائدة في عدد من دول أمتنا، كما أن يتجنبوا امتداد التفرقة والطائفية والنزاعات القائمة حالياً، على أمل أن يدفع النواب العرب الذين دخلوا المجلس النيابي في الانتخابات، أخيراً، بهذا الاتجاه، بقوة ناعمة وحكمة دائمة.