كلنا كأم خالد سعيد

30 نوفمبر 2014
أهالي الشهداء يعتصمون ضد قرار براءة مبارك (Getty)
+ الخط -
(بعد براءة مبارك)
الآن –بالبراءة– طُعن الشعب في كرامته تماماً بسكين. سكين العدالة الذي ظل في الأقبية لما يقرب من سنوات أربع يعدّونه لمثل هذه الطعنة، حتى أزف ميعادها، فكانت بعد طول عرض مسرحي شيق فيه من الأكاذيب والتهم والقتل والنكات والقنوات الفضائية، عرض طويل، فيه من كسب وفيه من خسر. عرض مسرحي، البطولة فيه للخشبة والقاضي والقنوات الفضائية والمتفرج (الذي هو الشعب)، في السجن أو في الشارع أو في المقهى، حتى كانت الطعنة قضائياً.

كان لا بد من سفر عبد المجيد محمود للخارج للعمل (وفي الإمارات تحديداً) وأن يكون حضور طاقم المحامين الكويتيين في الصف الثاني، وبعقالاتهم أيضا، وبكامل ابتساماتهم، وفي غيبة تامة من سامح عاشور، بل تكاد أن تكون القاعة كلها هي قاعة لمبارك وأنصاره، عرض خاص وأخير لأهل البيت. كان لا بد للمسرحية من مخرج (والله من أول يوم نظرت في اضطراب عيون الرشيدي قاضي العرض قلت لأولادي: هذا مخرج مسرحي بارد الأعصاب وضل طريقه إلى سلك القضاء).

فعلها عبد المجيد محمود وسافر. والبراءة كانت في جيب المخرج ولكن لزوم الديكور والإضاءة إطالة مدة العرض. كان لا بد للعرض أن يسبقه بيوم عرض آخر للسلاح في الشارع. عرض حقيقي للمدرعات والدبابات والذخيرة الحية. عرض حقيقي عنيف يحمي العرض المسرحي في يومه التالي. عرض يرهب الشارع ويظهر له قوة الشكيمة والعين الحمراء، كي تأتي النتيجة من خلال العرض المسرحي دامغة.

ما زلت أتذكر حمدين صباحي وأم خالد سعيد حينما قال: (لن أدخل القصر الرئاسي إلا ومن أمامي أم خالد سعيد)، وذلك عرض آخر ليس ميعاده الآن. لو قال حمدين صباحي مثلا: (لن أدخل القصر الرئاسي إلا بعد حق خالد سعيد مثلا، لكان أجمل)، ولكن الرجل بدأ بالقصر مرة واحدة، وتلك أطماع مدهشة لي أنا صاحب الأحلام الصغيرة، على الأقل، وهكذا حتى تدحرجت أحلامنا، فصار ( صاحب القصر المأمول بالكاد يعبر عن نصف رأيه ودخل سباق الرئاسة بربع عين أيضا، والرئيس الذي فاز بالرئاسة في السجن ولا أحد يعرف شيئا عن أم خالد سعيد وباقي الآلاف من الشهداء أيضا)، فهل هناك من مسرحية كابوسية أفضل من ذلك، من هو كان خلف ستارها وهو عبد المجيد محمود الذي سافر، نفى عنها كونها جريمة من الأساس، فعلى ماذا نحاكم مبارك؟ على خمس فيلات.

أدرك العسكر بعد مرسي وعرض 30 – 6 الناجح جماهيريا وتصويريا وسينمائيا (حضر العرض فعليا كل ممثلات السينما من يسرا حتى ياسر برهامي)، ونجح الفيلم أيضا تسويقيا، وأدرك العسكر أن نهاية الحكاية تحتاج إلى عرض آخر قضائي ثابت الخشبة (مسرحي). فالمخرج الأول السينمائي (خالد يوسف) تعب وأيضا يستعد للبرلمان، وخشبة القضاء أجمل، فكان العرض.

بدأ بالأحاديث النبوية والموت وغيره (الديباجة) حتى وصل إلى كل البراءات.. السيجار والفرحة في وجه فريد الديب والكل بالأحضان، وكاتب المسرحية (عن الشعب) عبد المجيد محمود في الإمارات، ولا الشعب ولا أم خالد سعيد في العرض ولا حتى أهل الشهداء، لا دخلوا القصر ولا شاهدوا العدل، فالقصر من ستين سنة مع العسكر والعرض انتقل للشارع، ومخرج العرض -من الإجهاد- سيسافر للخارج لاستكمال علاج عيونه التي تعبت في صفحات القضية، فقد كانت المسرحية طويلة ومتعبة.
المساهمون