وثائق داخلية تكشف انحياز "ميتا" إلى المحتوى العبري

16 اغسطس 2024
محتجون مناصرون لفلسطين أمام مقر "ميتا" في كاليفورنيا، 3 نوفمبر 2023 (تيفون كوسكون/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **اتهامات بالتحيز ضد المحتوى المؤيد لفلسطين**: اتُّهمت شركة ميتا بالتضييق على المحتوى المؤيد لفلسطين والسماح بمحتوى تحريضي ضد الفلسطينيين، مع وجود نظام لتقييم دقة الرقابة على المحتوى العربي دون وجود نظام مماثل للغة العبرية.

- **انتقادات متزايدة لسياسات ميتا**: واجهت ميتا انتقادات من ناشطين ومؤسسات حقوقية بسبب سياساتها للإشراف على المحتوى، حيث اتهمتها 49 منظمة مجتمع مدني بمساعدة الحكومات في الإبادة الجماعية وإسكات الأصوات الفلسطينية.

- **تحديات أنظمة الرقابة الآلية**: كشفت الوثائق الداخلية عن تحديات تواجه أنظمة الإشراف على المحتوى في ميتا، مع الإفراط في الرقابة وأخطاء في بنوك المحتوى، مما يعكس موقف الشركة الواضح من القضية الفلسطينية.

منذ بدء حرب الإبادة على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتُّهمت شركة ميتا مع غيرها من منصات التواصل الاجتماعي بالتضييق على المحتوى المؤيد لفلسطين، وهو ما وثقته العديد من المنظمات الحقوقية، مقابل السماح بمحتوى تحريضي باللغة العبرية ضد الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة.

وكشفت صحيفة ذا غارديان البريطانية، الخميس، أن "ميتا" تمتلك نظاماً لتقييم دقة الرقابة والإشراف على المحتوى العربي، لكن من دون وجود نظام مماثل للغة العبرية، وهو الأمر الذي يثبّت المخاوف من تحيّز منصاتها مثل "فيسبوك" و"إنستغرام".

ومن خلال موظفٍ سابقٍ في الشركة المملوكة للمياردير مارك زوكربيرغ، حصلت "ذا غارديان" على وثائق تبيّن أنّ "ميتا" تطبّق منهجاً معقداً للإشراف على المحتوى المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي عموماً، والحرب على غزة خصوصاً، لكنّه مع ذلك يظل مليئاً بالثغرات.

ورأى الموظف الذي فضل عدم الكشف عن اسمه خوفاً من ممارسات انتقامية أنّ سياسات الإشراف على المحتوى الخاصة بالشركة غير عادلة، وتميّز ضدّ الخطاب المؤيد للفلسطينيين. وهو أمرٌ يردّده العديد من الناشطين المناصرين لغزة، الذين يشيرون دائماً إلى التفاوت الشديد في الرقابة على المحتوى العربي مقارنة بالعبري.

انتقادات متزايدة لشركة ميتا

في السنوات الأخيرة، واجهت "ميتا" انتقادات متزايدة بسبب سياساتها للإشراف على المحتوى من قبل ناشطين ومؤسسات حقوقية. في يونيو/ حزيران الماضي، أرسل تحالف من 49 منظمة مجتمع مدني وشخصيات فلسطينية بارزة رسالة إلى "ميتا" يتهمونها فيها بمساعدة الحكومات بالإبادة الجماعية من خلال سياساتهم للإشراف على المحتوى. كما حذروا من أن إسكات الأصوات الفلسطينية على منصات الشركة سيكون له عواقب وخيمة، إذ يمنع نشر الأخبار الحقيقية من جهة، ويسمح بالدعاية التي تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم من جهة أخرى.

مع العلم أنّ التفاوت الشديد في عمليات الإشراف على المحتوى بحسب اختلاف اللغة، هو من الانتقادات القديمة للشركة. وسبق أن ذكرت المبلغة عن مخالفات "فيسبوك"، فرانسيس هوغن، أمام لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي أنه في حين يشكل متحدثو الإنكليزية 9% فقط من مستخدمي المنصة، إلّا أنّ 87% من إنفاقها على مكافحة المعلومات المضللة كان مخصصاً لهذه اللغة.

من جهتها، ترفض "ميتا" هذه الأرقام، وتشير إلى أن معظم شركائها في التحقق من المعلومات ينتمون إلى جهات خارجية تقع مقارها خارج الولايات المتحدة.

وتكشف الوثائق التي استعرضتها "ذا غارديان" أن شركة ميتا لديها سياسات قائمة لإزالة خطاب الكراهية، أي عبارات مثل "مقاطعة المحلات اليهودية" أو "مقاطعة المحلات الإسلامية"، لكنها تسمح بعبارات مثل "مقاطعة المتاجر العربية" بحجة ارتباطها بالخطاب السياسي أو الاحتجاج. لكن منتقدي الشركة يرون أنّ هذه السياسة تفتقر إلى الفهم الدقيق للمنطقة وتعكس تحيزاً جوهرياً إلى صالح إسرائيل في عمليات إشراف "ميتا" على المحتوى.

"رقابة أكثر فاعلية" على المحتوى العربي

وأشارت الصحيفة إلى أنّ مسألة قياس فعالية الإشراف على محتوى خطاب الكراهية العبري مثيرة للقلق. ففي حين تملك "ميتا" نظاماً لقياس جودة الإشراف على المحتوى الخاص بها بعدة لغات، ومن ضمنها العربية، لا تمتلك نظاماً مماثلاً للغة العبرية. بحسب الوثائق، يعود غياب الإشراف المنهجي على المحتوى العبري على منصات الشركة إلى غياب خاصية الترجمة الآلية ونقص المشرفين البشريين الناطقين بالعبرية.

من ثم تتم الرقابة على المحتوى العبري "عند الضرورة"، على العكس من عملية الرقابة على المحتوى العربي الذي يتبع نظاماً أكثر منهجية. وفي رأي الموظف السابق في "ميتا" هذا التناقض يعني أن الشركة تراجع المحتوى باللغة الرسمية لدولة الاحتلال مراجعة أقل منهجية من اللغة الرسمية للفلسطينيين، ممّا يعني إفراطاً في الرقابة على المحتوى باللغة العربية.

تمثل المنشورات المكتوبة باللغة العبرية، التي يتحدث بها حوالي 10 ملايين شخص، نسبة صغيرة جداً مقارنةً بالمنشورات المكتوبة باللغة العربية التي يتحدثها قرابة 400 مليون شخص. مع ذلك العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع يفرض على "ميتا" بذل مزيد من الجهد في الإشراف على محتوى منصاتها العبري، بحسب المنتقدين.

مع العلم أنّ الاتهامات الموجهة إلى الشركة بمحاولة إسكات الرواية الفلسطينية تعود إلى فترة سابقة على السابع من أكتوبر، وهو أمر أثبته تحليل مستقل أجري عام 2022 بتكليف من "ميتا" نفسها. كشف التحليل أن نظام الإشراف الخاص بها قد عاقب المتحدثين باللغة العربية بشكل متكرر أكثر من المتحدثين بالعبرية خلال عملية سيف القدس في مايو/ أيّار 2021. كما حظرت أنظمة الرقابة الآلية المحتوى باللغة العربية بمعدل "أعلى بكثير" من المحتوى باللغة العبرية.

وخلص التحليل إلى أن سياسات "ميتا" ربما أدّت إلى "تحيّز غير مقصود من خلال الإفراط في فرض الرقابة على المحتوى العربي"، آنذاك، أرجع السبب جزئياً إلى وجود "مصنف لخطاب الكراهية" في اللغة العربية في حين لم يكن هناك مثل هذا المصنف للعبرية. وذكر التحليل أن عدم وجود هذا المصنف يعني أن المحتوى العربي من المرجح أن يزال خوارزمياً بشكل أكثر تكراراً.

منذ ذلك الحين أطلقت "ميتا" مصنفاً للتعلم الآلي باللغة العبرية يكتشف "خطاب الكراهية"، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى تغيير كبير، إذ انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "سياسات ميتا وممارساتها التي تعمل على إسكات الأصوات الداعمة لفلسطين وحقوق الإنسان الفلسطيني على إنستغرام وفيسبوك، في موجة من الرقابة المشددة على وسائل التواصل الاجتماعي". كما ندّدت باستمرار الرقابة المنهجية على المحتوى الفلسطيني على منصتي إنستغرام وفيسبوك.

تحديات تواجه أنظمة الرقابة الآلية

كشفت الوثائق الداخلية عن تحديات تواجه أنظمة الإشراف على المحتوى الخاصة بالشركة. تستخدم هذه الأنظمة بنوكاً للمحتوى الذي سبق تصنيفه بأنّه ينتهك سياسات الشركة، من أجل تمييز المنشورات المخالفة وحذفها. لكن الموظف السابق أشار إلى وجود أخطاء في بنوك المحتوى هذه، ممّا يؤدي إلى الإفراط في الرقابة، مع عدم وجود آلية واضحة لإزالة المحتوى الذي يتضح أنّه غير مخالف من هذه البنوك.

ولفت الموظف السابق أن "ميتا" كانت تتجاوب مع شكاوى العاملين في الإشراف على المحتوى في الماضي، لكن العديد من الموظفين صاروا أكثر حذراً اليوم في تقديم الشكاوى من الرقابة المتزايدة على المحتوى المؤيد لفلسطين باللغة العربية، خوفاً من الانتقام أو اعتبارهم معادين للسامية. أضاف الموظف: "إذا أثرت هذا الأمر بشكل مباشر، أشعر أن وظيفتي ستكون على المحك، موقف الشركة من هذه القضية واضحٌ جداً".

وعبّرت رسالة حديثة وقّع عليها أكثر من 200 موظف في "ميتا" عن مخاوف مماثلة، ولفتوا أن الشركة "فرضت الرقابة على العاملين الذين تحدثوا ضد سياسات الشركة المتعلقة بفلسطين في المنتديات الداخلية، وعاقبتهم"، لافتين إلى أنّ "أي ذكر لفلسطين يتم حذفه" من هذه المنتديات. 

المساهمون