كلف الحرب على الإرهاب

16 يناير 2020
ارتفاع كلفة الحروب (Getty)
+ الخط -

 

نشرت الكاتبة الأميركية، جيسيكا كوربيت، مقالاً على موقع "أحلام مشتركة" أو "Common Dream" بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019 عن خسائر الحرب ضد الإرهاب منذ أحداث " 11 سبتمبر" 2001، بما في ذلك تكاليف الحروب في أفغانستان، وباكستان، والعراق، وضد الإرهاب في سورية (تنظيم الدولة الإسلامية)، وفي اليمن ومناطق أخرى.

وقد اعتمدت الكاتبة في مقالها على تقريرين من دراسة موسعة بعنوان "مشروع كلف الحروب" الذي يعمل عليه معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة، ومركزه جامعة براون الشهيرة في ولاية "رود آيلاند" شمال شرق الولايات المتحدة الأميركية.

وقد قدّر التقريران كلفة الحرب ضد الإرهاب، وكلفة الحروب حتى نهاية عام 2020 بمقدار 6.4 تريليونات دولار أميركي. وهذا بحد ذاته رقم مفزع جداً.

يقول التقرير إن كلفة الحرب على الإرهاب لن تقف عند انتهاء الحروب، بل ستمتد آثارها على الاقتصاد والبشر إلى سنوات كثيرة، فهنالك كلفة محاربة جيوب الإرهاب وخلاياه السرية، وكذلك، فإن كلف المرض والموت غير المباشر الناتجة عن آثار الحروب وعللها قد تفوق في مجموعها كلفة الحرب المباشرة.

وتشمل الكلف البشرية المباشرة، حسب التقرير الأول، ضحايا الحرب من جنود، ومسعفين، ومقدمي الخدمات اللوجستية، وصحافيين ومصوّرين، ومدنيين، ومقاولين وغيرهم. وقد قسّمت الدراسة الموتى والجرحى حسب مناطق الصراع الست التي ذكرت آنفاً في هذا المقال.

وقدرت الدراسة أن عدد القتلى المرصود حتى لحظة نشر التقرير الأول قد بلغ 745.335 قتيلاً، أو 42% من الرقم الإجمالي للموتى. وهذه لا تشمل أعداد الذين ماتوا بشكل غير مباشر نتيجة آثار الحرب وآفاتها. أما أعداد الموتى الإجمالية في المناطق الست في المستقبل، فتقدّر الدراسة أنهم سيبلغون حوالي 3.1 ملايين إنسان، أو مائتي ضعف عدد القتلى من الأميركيين.

ويقدّم التقرير الثاني، بعنوان "كلف الحرب على الإرهاب من حيث الموازنة الأميركية منذ أحداث "11 سبتمبر" في 2011 وحتى نهاية 2020"، تصوّراً لما كان سيحدث، لو أن هذا المبلغ الخطير (6.4 تريليونات دولار) قد أنفق على محاربة الفقر، والجوع، وتحسين المدارس، وتحسين النقل والبنى التحتية في الولايات المتحدة، وتقديم التأمين الصحي والخدمات الصحية للمواطنين.

والحقيقة أن التقرير يأتي دامغاً لفلسفة التهوّر في الحروب على حساب تقديم الدبلوماسية والمنطق العقلاني في إدارة الأزمات. وتسعى الدراسة التي حرّرتها البروفسور كاثرين لاتز (Catherine Lutz) أن تبقى محايدة، وألا تنخرط في التحليلات الحزبية، بل سعت إلى أن تكون محايدة وغير منحازة للحزب الديمقراطي أو الجمهوري.

ومع هذا، تدين الدراسة سياسات التهور في الحروب خلال إدارة جورج بوش الابن خصوصا، وبشكل أقل بكثير إبّان إدارة الرئيس باراك أوباما الديمقراطي، وتحذّر من التهور الذي قد ترتكبه إدارة الرئيس الجمهوري الحالي، دونالد ترامب.

والواقع أن دراسة كلف الحرب المباشرة وغير المباشرة تعكس مقدار الكلف التي تكبدها الاقتصاد الأميركي والدول الأخرى، ولكنها لا تعكس مقدار التمويل الذي حصلت عليه الولايات المتحدة من حلفائها وأنصار مجهودها العسكري.

وفي ضوء هذه الدراسة، وغيرها من الدراسات المناوئة للحرب والداعمة للمسار الدبلوماسي في حل الأزمات، تثور أسئلة مختلفة بحاجة إلى التأمل.

أول هذه التساؤلات يدور حول مسار إدارة الأزمة مع إيران، بعد اغتيال الجيش الأميركي الجنرال قاسم سليماني. ولقد كتب توماس فريدمان في مقالين في شهر يناير/ كانون الثاني الحالي في صحيفة نيويورك تايمز حول هذا الموضوع.

في المقال الأول، انتقد فريدمان الجنرال سليماني، ووصفه بأنه لم يكن مبدعاً، بل على العكس أدّت سياساته التوسعية في المنطقة، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، إلى خروج الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق، وإلى محاصرة إيران اقتصادياً، وإشعال الحروب في المنطقة.

ويتحدث المقال الثاني عن أن احتمالات اشتعال حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران ضعيفة، وأن الولايات المتحدة، مثل إيران، لا تسعى إلى التورّط في حربٍ مكلفة.

وبعد موت سليماني، ومنح إيران فرصة للرد بدون قتلى أميركان، فقد فتح الباب أمام الدبلوماسية، وخصوصا أن محللين، ومنهم فريدمان، يؤكدون على أن الولايات المتحدة ستبدأ الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الاوسط والتركيز على مناطق أخرى في العالم.

ويدور ثاني هذه التساؤلات حول احتمالات التهدئة في بعض مناطق المجابهة بين إيران والولايات المتحدة، مثل اليمن وسورية والعراق، ويبدو أن روسيا قد تهيأت لها الفرصة المناسبة لكي تساهم في حل هذه الأزمات، فهي دعت إلى عقد لقاءات في روسيا لحل النزاع بين رئيس الوزراء فايز السراج واللواء خليفة حفتر الليبيين، وقد انتهت بدون اتفاق. ومن ناحية أخرى، تفاهمت روسيا وتركيا على إعلان هدنة في شمال سورية.

ومن ناحية ثانية، أعلن ملك الأردن، عبدالله الثاني، في مقابلة تلفزيونية خاصة مع التلفزيون الفرنسي، أن زيارته أوروبا تشمل بلجيكا حيث مقر الاتحاد الأوروبي، ومقر حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي ستراسبورغ سيلقي كلمة في مقر البرلمان الأوروبي، ويزور بعدها باريس للقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.

وصرّح الملك بأنه يسعى إلى تعزيز الدبلوماسية في حل المشكلات، وعلى الرغم من المواجهة الصريحة للأردن مع إسرائيل والتصريحات والإجراءات التي أطلقها الطرفان الموقِعان على السلام عام 1994، أصرّ الملك على التصريح بأن التهديد بضم أراضي من تلك المحتلة إلى إسرائيل، أو مهما قيل عن "صفقة القرن"، فإنه يفضل الانتظار حتى تعلن الصفقة، وحتى تستقر الانتخابات على قيادةٍ ثابتة في إسرائيل.

وكان موقفه تجاه إيران موزوناً بلغةٍ دقيقةٍ، غيّر فيه مصطلح الهلال الشيعي إلى النفوذ الإيراني. وكذلك كان ودوداً جداً تجاه سورية والعراق والقيادات فيهما.

مع كل هذه المؤشّرات على التهدئة، بدأ الكلام يكثر عن إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، ما يعطي أوروبا وروسيا أدواراً أكبر في حل القضايا المقبلة.

وقد تكون كلف الحرب أحد أهم الأسباب التي تدعو إلى ذلك، في عالم يميل إلى التطرّف في المواقف، والتصلب في الآراء، وتخيم عليه ظلال حربٍ إن وقعت، لا سمح الله، ستكون الحرب العالمية الرابعة مستخدمةً للفؤوس والمجارف.

المساهمون