يحاول قادة الانقلاب العسكري في مصر تحقيق أي إنجاز ليثبتوا للمصريين أن أداءهم أفضل من أداء الدكتور محمد مرسي، أول رئيس منتخب في مصر. فتعهد السيسي باستصلاح أربعة ملايين فدان، ثم تراجع بعد عام كامل من تعهده، وأقر بأنه لم يبدأ المشروع بعد.
وأعلن عن مشروع مليون وحدة سكنية ولم ير المصريون لهذا المشروع أي بوادر للنجاح إلا تسجيل اللقطة الإعلامية فقط على حد تعبير مدير مكتب السيسي في تسريباته.
وحضر مع قادة الجيش الإعلان عن هدية للشعب المصري عبارة عن جهاز لعلاج مرضي فيروس سي والإيدز سخر منه الجميع إلى حد دفع المستشار العلمي للرئيس المعين بعد الانقلاب العسكري إلى الاستقالة حفاظاً على ماء وجهه، بل ووصف المستشار العلمي الجهاز بأنه دقيق في الكشف عن المنافقين والدجالين، وأنه فضيحة في حق مصر، يقصد مصر الانقلاب طبعاً، وسمي جهاز القوات المسلحة بجهاز الكفتة!!
ويكتشف الناس أنهم أمام نظام مراوغ لا يملك إلا الخداع والاستخفاف بالعقول وكرامة المصريين. الرجل ذكر لصحيفة مؤيدة للانقلاب أنه قابل بعض الحالات في مكتبه في قصر الاتحادية في مصر، وقال: كنت أشعر أني أمام كائنات فضائية من هذا النوع الذي نشاهده في أفلام الخيال العلمي، ولم أكن أصدق أن هؤلاء جزء من صناعة القرار في مصر!!
في مطلع الأسبوع الجاري، خرج وزير التموين بتصريح من نوع جهاز كفتة القوات المسلحة، وصرح أن مصر اشترت خمسة ملايين طن من القمح حتى الآن في الموسم الحالي، الذي بدأ منتصف أبريل/نيسان الماضي، متجاوزة المستوى المستهدف البالغ 3.7 ملايين طن.
وأرجع الوزير الزيادة في مشتريات القمح من المزارعين المصريين إلى اللأسعار الجذابة التي عرضتها الحكومة!!
المتحدث باسم الوزارة برر معدل التوريد المرتفع بالسعر المشجع، وهو 420 جنيهاً للأردب، والاعلان عن السعر قبل موسم الزراعة بوقت كافٍ!!
هذه التصريحات تتلاشى وغير منطقية للأسباب الخمسة التالية:
أولاً: السعات التخزينية في مصر سواء للقمح المحلي أو المستورد لا تتجاوز 3.8 ملايين طن، سعة الصوامع بالكاد مليون طن، وعادةً ما تُخصص للقمح المستورد، وسعة الشون الترابية 2.8 مليون طن، وهي مخصصة للقمح المحلي منذ عهد مبارك. فأين سيخزن الوزير 1.2 مليون طن مع ما سوف يعلن عن شرائه باقي موسم استلام القمح الممتد إلى منتصف يوليو/تموز القادم؟!
ثانياً: هذا السعر تشتري به الحكومة من المزارعين منذ ثلاث سنوات بدون زيادة، وليس قبل الزراعة بوقت كاف كما يدعي المتحدث باسم الوزارة، فكيف أصبح مرتفعاً هذا العام ومشجعاً وجذاباً على حد وصف الوزير؟!
إنها الجملة التي يستعملها الأكاديميون عند الحديث عن تشجيع زراعة القمح، ولكن لا مانع من الاقتباس المشوش.
ثالثاً: إعلان النظام عن استلام 1.6 مليون طن بعد أسبوعين فقط من فتح باب التوريد يثير الشكوك حول نية التلاعب بأرقام التوريد وإهدار المال العام. في هذا الوقت، لا يمكن حصاد أي أقماح من الوجه البحري قبل الأول من شهر/مايو، وتصبح منطقة الوادي الجديد والواحات وشرق العوينات "جنوب غرب مصر"، هي مصدر القمح حتى هذا التوقيت، وفي حدود 400 ألف طن فقط، فمن أين أتت هذه الكمية الضخمة؟!
رابعاً: إصرار الوزير على استيراد القمح الأجنبي بكميات تخطت المليون طن أثناء موسم التوريد المحلي يثير شكوك المصريين حول توريد القمح المستورد عمداً على أنه قمح محلي، وهو أرخص في السعر بما يقارب الألف جنيه للطن (130 دولار)، وهي عملية فساد معروفة منذ عهد حسني مبارك باسم "تدوير القمح" للاستفادة من فروق الأسعار المغرية، رغم تعهد الوزير بالتوقف عن الاستيراد منذ بداية العام لهذا السبب.
وقد تم سؤال الوزير في مقابلات تلفزيونية عن الأقاويل حول خلط الأقماح المصرية بالمستوردة!!
هذه العملية غير النظيفة قضى عليها وزير التموين المهدد بالإعدام، الدكتور باسم عودة، بفكرة بسيطة، وهي وقف استيراد القمح الأجنبي قبل موسم التوريد بثلاثة أشهر كاملة، وهو ما أوقف هذا الفساد، علاوة على تقارب السعر العالمي للقمح وقتها (330 دولاراً) بالسعر المحلي.
زد على ذلك، فإن وقف الاستيراد يوفر سعات تخزينية في حدود مليون طن ابتكرها باسم عودة، ليتم تخزين القمح المصري لأول مرة في الصوامع الحديثة، وهو ما لم يحدث الآن.
خامساً: أعلنت الحكومة عن تخصيص 10 مليار جنيه فقط هذا العام لاستلام 3.7 ملايين طن قمح مستهدف من بداية الموسم رغم أن الخمسة ملايين طن التي أعلن الوزير عن استلامها تكلف أكثر من 14 مليار جنيه أي ما يعادل 1.83 مليار دولار.
السؤال هنا: هل يتم شراء القمح بدون غطاء مالي من وزارة المالية أم أن المزارعين تبرعوا بمحصولهم للوزير؟!
هذه التساؤلات وغيرها حول تصريحات وزير التموين المصري والمتحدث باسمه، لا يتسع المقام لذكرها، تؤكد الشكوك حول التلاعب في أرقام توريد القمح المحلي وإهدار المال العام وتستوجب ردوداً عاقلة أو تحقيقات شفافة لا تجعل أرقام القمح مجرد كفتة.
اقرأ أيضاً: خبراء يشككون في معدلات توريد القمح للحكومة المصرية