كفانا موتاً

26 نوفمبر 2014
بريشة (آشلي فوني)
+ الخط -

في ما مضى حين كنت أفكر في الانتحار وأراه فعلاً لا يقدم عليه إلا الشجعان، كنت أراني جباناً أكتفي بالثرثرة كنوع من أنواع الاحتجاج على اليأس، أو الاكتفاء بالصمت العاجز وازدراء الحياة دون التفكير في حل حاسم كحال الشجعان، كنت أرى أن الحياة قد تكون في بعض الأحيان عن طريق السعي نحو موتنا، ومن ثم خلودنا لكنني اكتفيت بالتدخين الشره بديلاً عن المواجهة مع المجهول وانتظار يقين ما لست متأكداً من مجيئه.

لم تصبح الحياة أجمل بعد لكن ما باليد حيلة. لكنك بعدما اختارتي المواجهة والحسم يا زينب لم أشعر سوى بالخوف والانقباض رغم أنني لا أعرفك، إلا انني لم أجرؤ على اعتبار ما فعلتيه شجاعة تستحق الامتداح حتى بيني وبين نفسي لم أقوى حتى على الدفاع عن اختيارك الخوف والمزيد من الخوف هو ما سيطر علي لم أتحلى بالبجاحة الكافية للدخول في مناقشات ولمحاولة ايجاد تفسير لاختيارك أو الحكم عليه ولم أصل لقناعة محددة، فكلمة الانتحار لا تزال مخيفة، وأعتقد بأنه ليس عادلاً أن نموت صغاراً. فالحياة ماضية لا تأبه لأحد، نغلبها أحياناً وتهزمنا معظم الوقت، نحبها ونحب أن نعيشها للنهاية، رغم قسوتها ففيها ما يستحق على أية حال.

هذه ليست مجرد دعوة للتفاؤل، لكن على الأقل لتكن سلاحاً ضد الاستسلام وضد الهروب وضد اليأس، ضد الموت نفسه وضد خوفنا على الأقل، "علشان لما نيجي نموت بجد نبقى مالناش عندها حاجة". كلما مر الوقت ازدد تمسكاً بالحياة والإقبال عليها قدر المستطاع، لنعش حتى لأنفسنا حياة من أجل الحياة نفسها.

ما علينا من ثورة لم تتم؟ من قال إنها نهاية العالم؟ من قال أصلاً إن حياتنا مرهونة أومتوقفة على شيء ما! حركة التاريخ لا تتوقف، وغداً يكمل غيرنا ما بدأناه.

وحتى لو لم يكملوه، لماذا نحمل أنفسنا فوق طاقتها، ونأخذ الحياة بهذه الجدية المفرطة؟ يكفينا أننا صنعناها، أو يكفينا شرف المحاولة، يكفينا موتاً، أو كما قال الراحل الكبير صلاح جاهين: "أنا اللي بالأمر المحال اغتوى شفت القمر نطيت لفوق في الهوا طلته ما طلتوش إيه أنا يهمني؟ وليه ما دام بالنشوة قلبي ارتوى؟".

قد يبدو الكلام في هذا السياق لا يحتمل أبياتا للشاعر محمود درويش تقول: "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا". أو البيت الذي يقول فيه: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

لكن أنا صادق في كل ما قالته، أو ساذج، لو شئت، يعيش على هامش الحياة، واصمت حيال خيارات الآخرين، أصدقها أحياناً وألعن أبوها بعشق زي الداء أحياناً كثيرة، لكننا في أقل الأحوال اختبرناها، صرنا نعرف كيف نستخرج وسط فقرها لقمة عيش، ونتحايل عليها في لحظة نسرقها تكون هي نصف أعمارنا، لكني لم أختبر الموت ربما لأنني أخافه، لم يعد أحد منه بعد ليخبرنا كيف أنه أمر ممتع، وأننا نبالغ في أحزاننا عليه، وهذا سبب كافٍ للتشبث بالحياة رغماً عنها.

*مصر

المساهمون