كسر القالب

05 اغسطس 2016
ما زالت التجربة خجولة (فرانس برس)
+ الخط -
ليس من المعتاد رؤية امرأة خلف مقود سيارة أجرة. لكن ليس من المنطق أن نشهد حالة استنكار من امرأة تقود سيارة أجرة. حدث أن توقفت سيارة أجرة لتقلّ امرأة متوجهة إلى أحد الأحياء في بيروت. بدت المرأة مرتابة قليلاً. أعادت تسمية المكان الذي تريد التوجّه إليه ثلاث مرات. وحين صعدت، سألت السائقة عما إذا كانت "حقاً" تعرف المكان الذي تريد الذهاب إليه وكيفية الوصول إليه. كان واضحاً أنها لم تستطع كبت السؤال.

بعد عدة دقائق من صعودها كان السؤال القنبلة: "أين هو زوجك حتى تقودي أنت سيارة الأجرة؟". أجابتها السائقة بأن زوجها متوفى، وهي تعمل على السيارة. لم يبدُ أن الراكبة اقتنعت كثيراً بالجواب. أرادت "تقصّي" المزيد من الوقائع. سألت: "أليس لديك أولاد ذكور؟". كانت السائقة هادئة وفخورة بإجابتها: "إبني يدرس في الجامعة". يكاد يشعر من كان في السيارة حينها أن الراكبة كانت تكبت حنقاً غير مبرر.

في المقابل، من المعتاد رؤية النساء في الجسم القضائي في لبنان، لا سيما في السنوات العشر الأخيرة. لكن تبيّن أن المتقاضين وبعض المحامين لهم رأي آخر. فقد يفضّل بعض الأشخاص (لا سيما الرجال منهم) التقاضي لدى قاضٍ رجل وليس لدى قاضية أو قاضٍ امرأة. أما في ما خصّ المحامين، فقد أشارت إحدى الأكاديميات في إحدى جامعات لبنان إلى أن الرجال المحامين "يكرهون" المرأة القاضية ويفضّلون الرجل القاضي، فقط لكونهم لا يرغبون أن يكونوا تحت "إمرة" امرأة.

ثَمة تشابه كبير بين النموذجين السابقين واللذين يعكسان يوميات ووقائع من حياتنا. مما لا شك فيه أن النساء بدأن واستطعن كسر صور الأدوار النمطية حول ما كان يجب عليهن أن يقمن به. لكن مما لا شك فيه أيضاً أن كسر القالب يتطلّب ثقة وجهدا ووقتا. وفي مقابل الجهد الذي يتطلّبه كسر القالب وتكريس "البديل"، ثمة جهد آخر على المرأة بذله كي تقنع من حولها بأحقيتها وقدرتها وكفاءتها. والأنكى، أن هذا الجهد المضاعف والمبذول ليس ضمانة تلقائية لقبول هذا "البديل" من المحيط الاجتماعي. قد تطغى أحياناً لهجة اعتذارية أو تبريرية أو استباقية استهزائية لتحدّي ردات الفعل المستنكرة للنساء في أدوارهن (غير التقليدية) المختارة.

المعادلة إذاً هي على الشكل التالي: ثمة أفراد (غالباً هم من النساء) يعون ذكورية المجتمع ويحاولون التأثير عليها أو تغييرها. وثمة جماعات (نساءً ورجالاً على حد سواء) ممن يخشون التغيير لسبب ما، قد يكون نابعاً من الحفاظ على مصالح وامتيازات، أو غريزة بقاء، أو ربما هي العادة ببساطة. وقد يكون أحد الأسباب له علاقة بمنظومة اقتصادية وثقافية مركّبة قتلت العدوانية الإيجابية لدى الناس، ودجّنتهم. فالعدوانية ليست دائماً أمراً سيئاً.

*ناشطة نسوية

المساهمون