بعد 35 عاماً يحترق قلب صبحية وهبي يونس حين تتكلم عن غياب ولدها الأسير كريم. سيدة في الثمانينيات من عمرها، تنتظر وتحلم بلحظة تحريره ليعود إلى بيته في قرية عارة، في المثلث الشمالي في الداخل الفلسطيني. يقبع كريم يونس، ابن قرية عارة، في السجون الإسرائيلية منذ 35 عاماً، وتنتظره خمس سنوات أخرى. فقد حكمت المحكمة الإسرائيلية عليه بالسجن المؤبد بتهمة "الانتماء إلى حركة فتح" المحظورة حينها، و"حيازة أسلحة بطريقة غير منظمة" و"قتل جندي إسرائيلي". وكانت المحكمة العسكرية في مدينة اللدّ قد حكمت عليه عند اعتقاله بـ"الإعدام شنقاً"، وبعد شهر عادت محكمة الاحتلال وعدلت عن قرارها، وأصدرت حكماً بتخفيف العقوبة من الإعدام إلى السجن مدى الحياة.
في بيته بقرية عارة، تقطن والدته وأشقاؤه، صور كريم تزين جدران البيت، هناك صور له حين كان طفلاً بعمر السنة باللونين الأبيض والأسود، وصور أخرى له مع والدته ووالده، ودروع تكريمية حصلت عليها عائلته خارج السجن كونه عميداً للأسرى.
لم تستطع والدته زيارته في السنة الأخيرة، لأسباب صحية، ولكنها واظبت على زيارته على مدار 34 عاماً بشكل ثابت، وانتقلت من سجن إلى آخر، من الجلمة، إلى الرملة، وعسقلان، ونفحة، وبئر السبع، والشارون، ومجدو، أما اليوم فهي لا تستطيع السير وحدها، تستند على عكازتها وحفيدتها لتتنقل.
تتحدث الوالدة، صبحية، لـ"العربي الجديد"، قائلة: "كريم هو ابني البكر، عمره 61 عاماً، درس الابتدائية في القرية والثانوية في مدرسة الساليزيان في الناصرة. فيه صفة القيادة من صغره والجميع يحبونه، هذه صفاته ودائماً معنوياته عالية. وعندما اعتقل في 6 يناير/ كانون الثاني 1983 كان طالب جامعة يدرس هندسة ماكينات في جامعة بن غوريون في النقب، وتم اعتقاله خلال تواجده في محاضرة بالجامعة. وبعدها درس في السجن لقب أول وثاني في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وهو أستاذ يدرّس الأسرى في السجون وكذلك مروان البرغوثي".
وتضيف "في السجن يهتم كريم ويسألني عن أخبار أشقائه وشقيقاته بشكل دائم. وعندما توفي والده قبل عشر سنوات تقريباً لم يسمحوا له بالمشاركة في الجنازة، رغم تدخل جميع أعضاء الكنيست، وكانت محاولة أخرى بذكرى الأربعين لوالده ولم يسمحوا. وكريم يدخن كثيراً من سجائر مالبورو الأحمر".
وعن قضية إضراب الأسرى عن الطعام، تشير إلى أنه "مع بدء الإضراب عن الطعام ومرحلة التضامن مع الأسرى، أنا أيدت ابني في الإضراب. الأسرى لهم طلبات والسجون ترفض أن تعطيهم هذه الطلبات، مع أنه من حقهم أن يحصلوا عليها، يطالبون بزيارة الأقارب، كأبناء الأعمام أو أبناء الخال، لكن سلطات السجون تمنع ذلك. وكريم يطالب لغيره أكثر من لنفسه. مع العلم أنني شاركت بجميع التظاهرات في السابق وتبنيت الأسير سمير قنطار، وكان يرسل لي سلامات".
وتشير إلى أنه "عندما يراني كريم متضايقة يقول لي: أنا واحد من بين 11 ألفاً وجميعهم شباب ومتعلمون وممتازون، فأنا لست بأفضل منهم". وتشدّد على أنه "لا أعلم ولا أذكر متى حضنته، من سنوات طويلة". وقد أصدر كريم يونس من داخل السجن كتابين، الأول بعنوان "الواقع السياسي في إسرائيل" عام 1990، تحدث خلاله عن جميع الأحزاب السياسية الإسرائيلية، والكتاب الثاني بعنوان "الصراع الأيديولوجي والتسوية" عام 1993.
أما شقيقه نديم، فيلفت إلى أن "أخي دخل السجن حين كان عمري 15 عاماً، وهو يكبرني بثماني سنوات. زرته منذ نحو الشهر. يهتم كريم بصحته رياضياً. ويحافظ على نفسه ليفيد غيره بتعليمه ومحاضراته داخل السجن، له دور فعّال جداً كأحد رموز القيادة والعطاء. يعتبرونه المعلم والشيخ، جميع الأسرى الذين تحرروا يحدثونا عنه، توجد قصص كثيرة لا نعرفها عنه. ومع عالم فيسبوك يتواصلون معنا، ويحدثوننا عنه وعن تجربتهم في الأسر معه، فالقصص كثيرة من الأسرى في غزة وخارج البلاد. قصص تصف كريم بصورة لم نعرفها عنه، فنحن نكتشف كل يوم شيئاً جديداً عنه. فقد صقل شخصيته في السجن في ظلّ تمتعه بسمات شخصية لم تكن معروفة عنه قبل تجربة الأسر".
وتزامناً مع بداية الإضراب عن الطعام للأسرى، أقيمت في قرية عارة خيمة تساند إضراب الأسرى عن الطعام. وعنها يقول نديم يونس: "تضامناً مع قضية أسرانا وإضرابهم المفتوح، نحن فتحنا خيمة اعتصام ومؤازرة لأسرانا، الخيمة موجودة في وادي عارة. وهي رمز لكريم يونس وماهر يونس، وهما عميدا الأسرى. ننظم فعاليات وأمسيات يومية. وستبقى مفتوحة حتى إنهاء الإضراب بالانتصار".