كريستوفر نولان.. حين يكون العادي مثيرًا

07 ابريل 2017
(من فيلم معجزة دانكيرك)
+ الخط -

الكثير من المخرجين العالميين يعانون كثيرًا لأجل الحصول على تمويل مناسب لأفلامهم، قلّة منهم ينجحون في ذلك، وكريستوفر نولان أحد هؤلاء القلّة التي يمكنها دقّ أبواب استوديوهات هوليوود والحصول على مائتي مليون دولار كتمويل مبدئي لمشاريعه التي لم تتخطّ التكلفة الإنتاجية لإحداها هذا الحاجز أصلًا، في حين أنه واحد من القلائل الذين تخطّت إيرادات أفلامهم حاجز الثلاثة مليارات دولار عالميًا.

انتهى نولان في هذه الأيّام من مشروع فيلمه الجديد (معجزة دانكيرك – Dunkirk)، والذي من المقرّر عرضه عالميًا في منتصف العام الجاري، تحديدًا في الثالث والعشرين من شهر يوليو/ تموز القادم، وترتكز أحداث الفيلم على إحدى أقسى المعارك التي حدثت في الحرب العالمية الثانية وهي معركة دانكيرك، والتي شهدت واحدة من أكبر عمليات الانسحاب في التاريخ الحربي الحديث.

في واحدة من أكثر القرارات الحربية جدلًا في التاريخ، وافق أدولف هتلر على قرار بإيقاف الهجوم على قوّات الحلفاء في ميناء دانكيرك لإعطاء راحة للجنود والطيّارين ثلاثة أيّام فقط، بعدما استمرّوا في القتال لمدّة تزيد عن أربعة عشر يوماً، كانوا فيها مباشرة بعد القصف الجوي، يرمون  قصاصات ورقية مكتوب عليها بالإنكليزية والفرنسية (أيها الجنود، انظروا حولكم في الخريطة، هذا هو حجمكم، دعوا أسلحتكم وغادروا في سلام) وفي الثلاثة أيّام تلك، كان بعض القادة البريطانيين يناقشون الاستسلام أصلًا حيث كانوا محاطين بالقوّات الألمانية، لكنهم قرّروا الانسحاب، بمؤونة وعتاد لأكثر من أربعمائة ألف جندي، نجح نصفهم وأكثر في الهروب، وتم قتل الكثير وأسر أكثر الجنود بعد الأيام الثلاثة تلك.

يحكي فيلم نولان الجديد عن تلك المعركة والتي يتمّ تسميتها بمعجزة دانكيرك، حيث تمكّنت قوّات الحلفاء من بناء العديد من الحصون والمدافع لإتمام عملية الجلاء بأقلّ حجم من الضرّر، ولبناء حاجز دفاعي يؤخّر الجيوش الألمانية التي كانت تأكل الأخضر واليابس في ذلك التوقيت، والتي  احتلت أماكن كثيرة من هولندا وتمكّنت من هزيمة الجيش الفرنسي هناك.

بالطبع، الحكي سينمائيًا يختلف تمامًا عن الحقيقة التاريخية، ولكن في الخطّ العام للأحداث هو هذا ما سيحدث، والذي أكده الممثل المشارك في الفيلم ، سيلان مورفي، والذي سبق أن شارك نولان في أربعة أفلام، ولكن لنولان طريقة مميزة في الحكي، فبالإضافة للإثارة الطبيعية للأحداث، والتي هي موجودة أصلًا في الزمن الضيق للمعركة وعملية الجلاء، يتميّز نولان بصياغة العادي ليكون مثيرًا وأكثر تأثيرًا.

يتذكّر الجميع المشهد الافتتاحي لفيلم (The Dark knight Rises)، والذي استغرق نولان في التجهيز له أكثر من شهر لكي ينفّذه في يومين، طائرة يهبط منها باين ومعه عصبته، يهجمون على طائرة أخرى مخترقين نوافذها وجسدها المعدني، يأخذون غنيمتهم ثم تسحب طائرتهم الطائرة الأخرى وتفتتها، مشهد يحبس الأنفاس بالطبع، تم تنفيذه بشكل إن لم يكن بديعًا فقط فهو خارق، لم ينفذه أحدهم سابقًا بتلك الواقعية والحرفية، هذا المشهد تم اختلاقه لأجل الفيلم، فماذا لو كان الفيلم الجديد ممتلئًا أصلًا بالمعارك الجويّة والأرضية والبحرية؟

المفاجأة الكبيرة التي صدمت الكثير من محبي نولان، هي أن فيلمه لن يقترب من واقعية سبيلبيرغ في (إنقاذ الجندي برايان – Saving Private Rayan) لأنه قد تم منحه تصنيف (PG-13) وهذا يعني أن الفيلم غير مناسب لمن هم دون الثالثة عشرة من العمر، بالإضافة إلى ضرورة وجود الرقابة الأبوية، وهذا يعني أيضا أن الفيلم متاح للكثير من الجمهور المراهق والذي سيؤخذ في الاعتبار بالنسبة له عدم وجود الكثير من العنف والدموية، التي تميز أفلام تلك الفئة، ولكن ذلك لا يهم لنولان لأن أفلامه في الأصل الكثير منها قد تم منحه ذلك التصنيف للفئات العمرية مثل (The Batman Trilogy – Inception – Interstellar). فيلمان فقط تم تصنيفهما للفئات الأكبر سنا هما (Momento – Insomnia)، وسينماه في الأصل تعتمد الإثارة والحبكة أكثر من اعتمادها على العنف.

ذكر نولان في أحد اللقاءات الصحافية مع مجلة بريميام، أن الفيلم تعتمد حبكته على ثلاثة محاور، الأوّل وهو في السماء، المعركة الجويّة وفيه توم هاردي يشتبك مع الطائرات، والثاني وهو في الأرض على الشاطئ وموقف الجنود من كل ذلك القصف، وأثناء ذلك المعركة البحرية وهجوم الطائرات على تلك الزوارق التي تنقل الجنود لليابسة تمهيدًا للانسحاب، وفيه سيلان مورفي ومارك ريلانس، الممثل الحائز جائزة أوسكار، وكما شاهدنا في الإعلان القصير الذي تمّ ترويجه لأجل الفيلم، لا أحد في مأمن، لا من هم على اليابسة ولا من هم في السماء، الجميع حياته مهدّدة باستمرار، الجميع يملك حافز البقاء، وبما أن قليلاً من الدماء ستكون حاضرة في الفيلم، فسننتظر الكثير من الإثارة وحبس الأنفاس والدراما الجذابة التي تُثير العقل والقلب معًا.

من المعلومات المشوّقة عن الفيلم، هو أن نولان استخدم ما يقارب ألفاً وخمسمائة ممثل لتنفيذ مشهد الانسحاب، كما أنه استخدم زوارق حربية حقيقية بدلًا من استخدام الخدع السينمائية لتنفيذ مشاهد القصف.

يشارك نولان في هذا الفيلم مدير التصوير العالمي الذي شاركه صناعة فيلم (Interstellar) (هويتي هويتيما - Hoyte Van Hoytema)، وهو أحد مدراء التصوير المتميّزين في واقعية الرسوم الاصطناعية التي ينفذونها لإضافة الكثير من الخدع، كما فعل في فيلم (هي – Her) وهو على قدر متميّز أيضًا من التميّز في اختيار الألوان وتوظيفها، وسبق أن نفذ الكثير من أفلام الحركة، مثل فيلم جيمس بوند الأخير (Spectre)، والذي تم فيه تنفيذ أكبر انفجار في تاريخ السينما، وللمفارقة، كان كريستوفر نولان أحد المرشّحين لإخراج الفيلم ولكن نفذه مخرج آخر، ولا يخفى على أحد قيمة وجودة سلسلة أفلام بوند إن بدأ نولان فيها.

يُشارك أيضًا في الفيلم الممثل توم هاردي، والذي شارك نولان في أربعة أفلام مختلفة وهو من أقوى نجوم الحركة الموجودين في هوليوود، وحقّق شهرة عالمية كبيرة بعد فيلمه (ماكس المجنون – Mad Max Fury Road)، وقد شارك في فيلمين حربيين من قبل عن الحرب العالمية الثانية.

ذكر نولان أن للفيلم أهمية كبيرة بالنسبة له، لأنه يتحدّث عن إحدى المعارك المفصلية في تاريخ بلده، وإن لم يتمّ الانسحاب كما حدث لربّما كان قد تم احتلال بريطانيا، ربّما كان انسحاب أميركا من الحرب مسألة حتمية، ولكانت خريطة العالم قد تغيّرت تمامًا عمّا هي الآن، لربّما كان قد انتهى العالم الذي نعرفه، وعلى الرغم من أن ذلك الانسحاب على المستوى الحربي كان فشلاً ذريعاً، حيث خسرت قوّات الحلفاء الكثير من العتاد وما يربو عن خمسين ألف جندي، ولكن على المستوى الإنساني هو انتصار كبير ومهمٌّ، فقد تم إنقاذ أكثر من ثلاثمائة ألف جندي كانوا محاصرين بالقنابل والرصاص من جميع الجهات.

المساهمون