في لندن يقام واحد من أكبر مهرجانات الشوارع في العالم، إنه كرنفال "نوتينغ هيل" الذي تأسس منذ أربعين سنة، لنشر ثقافة التنوع وللتغلب على التوترات العرقية؛ وذلك عبر حفلة ضخمة يرقص فيها الجميع بعيداً عن خلافاتهم واختلافاتهم. فقد كان الكرنفال وسيلة لمزج القيم الثقافية المختلفة عن طريق شيء يمكن للجميع ممارسته والتمتع به، وهو الموسيقى. وخلال سنوات المهرجان، انتقل "نوتينغ هيل" من الضعف والفقر والتهميش إلى الثراء والأناقة، حتى أصبح أكبر المهرجانات في العالم بعد مهرجان ريو دي جانيرو.
لم تكن "نوتينغ هيل" دائماً المنطقة العصرية الراقية التي نراها في الأفلام، فحتى منتصف الثمانينيات، كانت حيّاً منهكاً وفقيراً وسكناً لعدد كبير من المهاجرين القادمين من الهند الغربية. وكانت التوترات العرقية بالحي قد ارتفعت ووصلت لذروتها خلال الاضطرابات العرقية والشغب عام 1958، بتحريض من جماعة "تيدي بويز"، وهي جماعة من البيض من الطبقة العاملة، إذ كانوا يعارضون تدفق المهاجرين من البحر الكاريبي.
تصاعدت الأمور إلى مستويات حرجة عندما قامت مجموعة من الغوغاء قوامها 300 عامل بأعمال شغب عبر "نوتينغ هيل"، وهاجموا المقيمين القادمين من الهند الغربية في منازلهم. كان الحكم قاسياً على كل من شارك بالأحداث، ووصلت لخمس سنوات سجن، ولكن كان لا بد من وجود حل غير أمني وبعيد عن القضاء، واتخاذ خطوات لإصلاح العلاقات بين الأعراق، منعاً لاندلاع الأحداث مرّة أخرى، وتحوّلها لحرب أهلية.
في عام 1959، بدأ المهرجان بداية متواضعة في قاعة "سانت بانكراس". وكانت كلوديا جونز، وهي مهاجرة من ترينداد، تمتلك رؤية لإقامة احتفالية مختلطة لترميم الاختلافات الثقافية والاحتفال بالتنوع. ثم كانت أول احتفالية في مكان مغلق، وتميزت بالموسيقى الكاريبية، واعتبرت نجاحاً كبيراً، على الرغم من أن من حضروا كانوا من ذوي طبائع متفرقة.
في أغسطس/ آب عام 1966، تحولت رؤية جونز إلى مهرجان مستوحى من "الهيبيز"، عندما التقت مجموعة من أطفال المنطقة مع فرقة "راسل هندرسون" للموسيقى على الطبول. فكان الأمر بمثابة إضافة نوعية، بعد التحاق الأنظمة الموسيقية الجامايكية وتوحد الآلات الموسيقية، وقد وضعت مكبرات الصوت على شاحنات وأحضرت آلات "الدي جي" في عام 1976، وارتفع المهرجان إلى مستويات أعلى.
تدريجيّاً، تضخم الحضور حتى وصلوا إلى نصف مليون شخص، وصار المهرجان المجاني الحضور يعاني من بعض الاضطرابات، وحالات من أعمال الشغب العنيفة نتيجة كثرة الحاضرين، وصخب الاحتفالات. وهنا، استجابت الشرطة للأحداث، وتم تعيين أكثر من 1100 شرطي لتأمين الحدث. ومنذ عام 2008، قلل التنظيم الجيد للمهرجان والحضور الكبير للشرطة من الحوادث. كما حظي المهرجان بدعم من الأمير تشارلز نفسه، منذ فترة طويلة. وتقدر عائدات المهرجان للمنطقة بنحو 100 مليون جنيه إسترليني سنوياً.
يعد كرنفال "نوتينغ هيل" أكبر مهرجان حر في الشوارع في أوروبا كلها. ويمضي الحدث لمدة ثلاثة أيام كاملة، تبدأ بمسابقة الطبول المعدنية الشهيرة، يوم السبت في الساعة السابعة مساءً، وتستضيف أفضل فرق الطبول من جميع أنحاء الجزيرة البريطانية، ثم يكون يوم الأحد موعد موكب الأطفال مع جوائز لأفضل الأزياء التراثية المختلفة. وعلى الرغم من النشاط الصاخب في الكرنفال، إلا أنه يُعدّ مهرجاناً عائلياً وصديقاً للأسرة جداً، خصوصاً بعد أن أصبح آمناً وانتفت حوادث الشغب بعد التنظيم الجيّد.
تتوفّر بالمهرجان مظاهر لا يراها الإنجليز كثيراً على الطبيعة؛ مثل الملابس الوطنية للكاريبي، والعادات المختلفة. كما تنتشر المأكولات الكاريبية المتنوعة واللذيذة والأطعمة الحريفة التي تشتهر بها تلك المناطق.