غضبٌ عام عبّر عنه الكتّاب والمثقفون الأردنيون، جرّاء تلك النيران التي راحت تلفح كلّ واحد منهم، بُعيد الإعلان، أمس، عن إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً، من قبل "تنظيم الدولة الإسلامية - داعش".
وعلى الرغم من النبرة البكائية التي عمت تعبيرات هؤلاء المثقفين عن غضبهم على صفحات الفيسبوك، التي اجتمعت على وصف التنظيم بالمجرم، وأتباعه بـ"الوحوش"، وما يشاكلهما من أوصاف، فقد تنبّهت، في كثير منها، إلى أهمية مواجهة التطرف والإرهاب بتعزير قيم الثقافة التنويرية في المجتمع.
من جهتها، أصدرت "رابطة الكتاب الأردنيين" أمس بياناً نعت فيه الكساسبة "الذي اغتاله تنظيم داعش الظلامي، الإجرامي، بطريقة همجية يندى لها جبين الإنسانية"، مذكرةّ في الوقت نفسه بـ"الثقافة التي روّجها الغرب الاستعماري في القرن التاسع عشر عن الشرق وصورته على نحو وحشي تمهيداً لاحتلاله ونهب موارده".
كما دعت الرابطة كل الهيئات الثقافية والمدنية في البلاد "إلى استنهاض قواها وطاقاتها دفاعاً عن العقلانية وثقافة التنوير والعدالة والهوية القومية العربية للأمة، في مواجهة خطاب التكفير والفتنة الطائفية من جهة، وخطاب العنصرية الأطلسية (الناتو) من جهة ثانية، كما في مواجهة الفوضى الصهيونية الهدامة وكل من يغذيها من دول وأوساط وفضائيات ومنابر".
وفي إشارة إلى التواطؤ الجمعي الذي يمارس ضد قيم الحرية والعدالة، على مدار أعوام طويلة، في المنطقة العربية، رأى الشاعر زهير أبو شايب أن "يد داعش الآثمة هي التي ارتكبت الجريمة. لكنّ القتلة كثر، ربّما بعدد الضحايا أنفسهم: نحن الذين خلقنا فرانكنشتاين هذا على هيئة الوحش الذي يلبد في عتماتنا السفلى، نحن جميعاً قتلناك يا معاذ، فلا تسامحنا أبداً".
وفي حين ذهب بعض الكتّاب إلى ضرورة الانتقام المباشر من "داعش"، من خلال "غارة بطائراتنا على معاقل الهمج في الرقة"، وتحقيق "تحليق شجاع على الدين الداعشي"، يقوم به "رفاق معاذ"، الذين تمنى عليهم الشاعر باسل رفايعة أن لا يدعوا "الشمس تشرق إلا على حريق في أوكار القتلة"؛ غير أن آخرين رأوا أن الانتقام لمعاذ يكون عن طريق وقفة جماعية "ضد مخلوقات الإرهاب، ضد أفكارها، ضد من يريدون أن يسحبوا الهواء من رئاتنا بحجة أنهم يحاربون باسم الله"، بحسب الشاعر مهند السبتي، وهو ما يوافق ما ذهب إليه جمال الكاتب الشلبي، عبر الدعوة إلى "خلع تفكير الدواعش الوحوش من الجذور والوجود".
وماذا عن "حربنا مع الدواعش الصغيرة في داخلنا؟" يتساءل القاص نديم عبد الهادي، قبل أن يجيب بأنها "حرب ضد التعصب إلى جانب التسامح، حرب ضد المفتي العليم بكل شيء لصالح المتخصص العليم بتخصصه، حرب التعدد والتنوع داخل وحدة المجتمع المدني تحميه مؤسسة عسكرية واحدة من كل الطوائف والأصول، حرب ضد كل من يعتقد أنه يفهم عن الله وحده وينطق بلسان الله ويضرب بيده ويسبقه إلى التعذيب بالنار من باب أن الله، كما قال شارون، بحاجة لمن يساعده".
غضبة مفهومة تماماً، لكن المشهد الثقافي يضج بمن لا يقلون تطرفاً عن "داعش" وأخواتها، معتقدين أن الإرهاب لا يواجه إلا بمثله، والظلامية لا تواجه إلا بمثلها، بعيداً عن التمسك بخطاب عقلاني يترقي إلى مستوى الألم الذي طال الأردنيين.