كتب ورقية... شباب العراق يهوون المطالعة

13 ابريل 2020
مطالعة خلال التظاهرات (صباح آرار/ فرانس برس)
+ الخط -
يشهد المجتمع العراقي إقبالاً من قبل الشباب على المطالعة، وهو ما يشير إليه باعة الكتب. وعلى الرغم من أنه تتاح لهم فرصة القراءة الإلكترونية التي توفر عليهم المال عدا عن سهولة الوصول إلى الكتب، يفضّل كثيرون اقتناء الكتاب الورقي.

وشهدت العاصمة العراقية بغداد والبصرة والناصرية والموصل والنجف تدشين مكتبات جديدة قدّر عددها بنحو 12 مكتبة منذ يونيو/ حزيران الماضي، بحسب أحد المسؤولين العراقيين في قسم التوعية في وزارة الثقافة العراقية. ويقول لـ "العربي الجديد": "يزداد معدل اقتناء الكتب في البلاد، خصوصاً كتب السياسة والتاريخ والروايات، وذلك من مختلف فئات المجتمع، خصوصاً الشباب". يضيف أن "الوزارة فشلت في استغلال الظاهرة ودعمها وتنميتها، وما يجري اليوم يمكن اعتباره توجّهاً شعبياً ازداد خلال التظاهرات، على غرار توجه شبان لإكمال دراستهم الجامعية". ويرى أن الإقبال، وعلى الرغم من وضوحه، ما زال لا يرتقي إلى ما كان الحال عليه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لكنه يبقى مبشراً ونقطة إيجابية داخل المجتمع العراقي".



من بين هؤلاء الشباب حسان الفراتي. يقول لـ "العربي الجديد" إن نظرة الشباب المثقف للحياة تكون مختلفة". لا يأبه للمبالغ التي ينفقها لشراء الكتب من مكتبات العاصمة بغداد التي يسكنها منذ عامين بسبب دراسته في إحدى جامعاتها، هو القادم من محافظة كربلاء (جنوب العراق)، على الرغم من أنه يعتمد في مصروفه على والده. لكن للكتاب الورقي قيمته التي لا تتوفر في الكتب الإلكترونية التي كان يطالعها سابقاً". ويوضح أنه يدرك سهولة الحصول على أي كتاب يرغبه من خلال المواقع الإلكترونية وبالمجان أيضاً، لكنه يؤكد لـ "العربي الجديد" أن "للكتاب قيمة كبيرة عرفتها حين تعرفت إلى مكتبات بغداد الكبيرة".

ويهوى الفراتي كتب الشعر والأدب. وكثيراً ما يستعير كتباً من المكتبات العامة أو من زملائه. لكنّ بعض هذه الكتب يُفضّل اقتناؤها، وعادة ما يقتصد كثيراً في سبيل الحصول عليها. يضيف: "لا أخرج في نزهات ولا أرتاد المطاعم والمقاهي، وأعدّ طعاماً بسيطاً بنفسي. وهذا يساعدني كثيراً في التوفير من المبلغ الشهري الذي يخصصه لي، ما يسمح لي باقتناء الكتب".
وعلى الرغم من انتشار الكتب الإلكترونية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، يبقى هناك إقبال كبير على الكتاب المطبوع. ولم يؤثر العصر الرقمي على حب بعض الشباب لاقتناء الكتب الورقية.

ومثل الفراتي عدد كبير من الشباب. بعضهم يطالع الكتب الإلكترونية ويحرصون في الوقت نفسه على اقتناء الكتب.

والسبب الذي يجعل أنمار عبد الرحيم يقتني الكتاب الورقي على الرغم من أنه مهندس يعمل في مجال البرمجة، هو "الشعور الذي يبعثه الكتاب وأوراقه وكيفية تصفحه". يضيف أنه "كالصديق الذي يملك معلومات غزيرة حول موضوع معين. حين أتصفح الكتاب الورقي أشعر كأنني أجالس صديقاً عزيزاً. أفتقد هذا الأمر في الكتاب الإلكتروني".

يضيف عبد الرحيم لـ "العربي الجديد": "عمري 26 عاماً، ولدي ارتباط عمل مع عدد من الشركات، وأدير صالة إنترنت. كل هذا لا يمنعني من تخصيص وقت لزيارة المكتبات ومعرفة الإصدارات الحديثة في مجال الإلكترونيات التي أحاول مواكبتها أولاً بأول، عدا عن اهتمامي بقراءة كتب الموارد البشرية".



حب الأوراق المرتبط بالطفولة وتعلم القراءة والكتابة، وطبيعة وشكل الكتاب وخصوصيته، والجمالية التي تضيفها المكتبة في كل بيت، أسباب يرددها شباب عراقيون خلال تبرير حبهم أو تفضيلهم للكتاب الورقي على الإلكتروني.

علاوة على ذلك، فإن "رائحة الورق تضفي أهمية على الكتاب" بحسب عمر مهدي الذي تخرج قبل عامين من كلية الزراعة. يقول لـ "العربي الجديد" إنه دأب على شمّ رائحة الكتب التي يتصفحها، "خصوصاً تلك القديمة"، موضحاً أن "اصفرار أوراق الكتب القديمة يزيدها جمالاً، كما أن رائحتها تكون أجمل. لم أعرف قارئاً إلا وأحب رائحة الكتب. أشعر بأن أحداً يرافقني حين أحمل كتاباً".

ويرى عمر أن قيمة الكتاب الورقي أكبر من الإلكتروني، وغالباً ما يميل إلى قراءة كتب التاريخ والسير، لافتاً إلى أن "رؤية مكتبة، سواء كانت عامة أو تجارية أو حتى في المنزل، تسرق الأبصار وتدفع الناس إلى تصفح الكتب، حتى إن لم يكن لديهم أي اهتمامات بالمطالعة. لذلك، أحرص على أن تكون مكتبتي المنزلية لافتة للأنظار". يتابع: "علينا واجب مجتمعي ووطني وإنساني كبير يتمثل في تثقيف وتوعية الأجيال الجديد التي ترتبط بالثقافة الإلكترونية والتقنيات الحديثة التي تهدد الكتاب الورقي، خصوصاً بعدما أصبحت المكتبة الرقمية مليئة بمختلف الكتب والأبحاث والدراسات. عليه، أرى أنه من الضروري أن نحبّب الأجيال الجديدة بالكتاب الورقي كي تحافظ على هذا الإرث الجمالي والفني والثقافي والعلمي الكبير".

ويعمد بعض الشباب العراقيين إلى التوعية حول أهمية المطالعة وجماليتها، وذلك في مختلف مدن البلاد انطلاقاً من العاصمة بغداد، من خلال مهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ"، الذي انطلق في إبريل/ نيسان عام 2012، وظل يقام في كل عام في حدائق متنزه "أبو نؤاس". وتعدّ هذه مبادرة تطوعية تبناها شباب مثقفون من كلا الجنسين، وتمثلت في توفير كتب وعرضها في الهواء الطلق، ليتاح لجميع الزوار القراءة ودعم الكتب من قبل متبرعين وأصحاب مكتبات.

ومن الصور التي وثّقت في التظاهرات التي تشهدها البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي التشجيع على قراءة الكتاب الورقي، وقد افتتح متظاهرون مكتبة فيما عرض آخرون الكتب على الأرصفة. ويؤكد أصحاب المكتبات أن للشباب حضوراً قوياً في اقتناء الكتب، ويرون أن تواصل الشباب مع الكتاب الورقي يجعل مكتباتهم تصمد أمام المكتبات الرقمية التي يعتبرونها منافساً حقيقياً لمهنتهم القديمة.

وبحسب علي نايف، الذي يدير مكتبة والده في بغداد، والتي تأسست منذ نحو ستين عاماً، فإن "إقبال الشباب على اقتناء الكتب الورقية يبشر بخير إذا ما قورن بالتحديات التي تقف في وجه القراءة بشكل عام واقتناء الكتاب الورقي بشكل خاص". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "مطالعة الكتاب الورقي كانت تعتبر قبل نحو عقدين من الزمن أحد أبرز مجالات المتعة وقضاء وقت الفراغ بالنسبة إلى شريحة واسعة من الناس. لكن اليوم، يعد وجود التقنيات الحديثة التي توفرها الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر الجاذب الأكبر للشباب لقضاء وقت الفراغ".



ويستطرد قائلاً: "هناك رغبة من قبل الشباب أنفسهم لحث أقرانهم على القراءة واقتناء الكتب أو استعارتها. هذا ما نلاحظه نحن الذين نعمل في مجال الكتب"، مشيراً إلى أن "رغبات الشباب تختلف في ما يتعلق بنوعية الكتاب الذي يفضلون قراءته. البعض يحاول قراءة الروايات الأجنبية لكبار الكتاب، إضافة إلى الروايات الحديثة التي تتنافس على الجوائز العالمية".
المساهمون