كتاب عراقيون يتنكرون بأسماء ساخرة... هرباً من الموت

12 أكتوبر 2015
قد يستهدف الكاتب بسبب رأيه الشخصي (Getty)
+ الخط -
يلجأ كثير من الكتاب العراقيين في الآونة الأخيرة، بعد تزايد عمليات الاغتيال للناشطين والإعلاميين والكتاب إلى التنكر على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية ساخرة، لنشر مقالاتهم وآرائهم الناقدة لسياسات الحكومة العراقية وأحزابها وقادتها بشكل لاذع. وابتكر هؤلاء الكتاب طريقة التنكر خلف أسماء وصور ساخرة تثير الضحك وتبعث على السخرية، وهم لا يكتفون بنشر المقالات، بل يذهبون إلى نشر النكت الساخرة من الواقع الذي تعيشه البلاد.

ويرى الكاتب عبد الله الدليمي أنَّ "التنكر على مواقع التواصل أصبح من ضرورات البقاء على قيد الحياة بالنسبة لنا ككتاب، في ظل التدهور الأمني الذي تشهده البلاد، وامتلاء الشوارع بالمليشيات والعصابات الإجرامية التي تستهدف كل من ينتقد سياسات الحكومة وزعماءها السياسيين".

ويضيف الدليمي لـ"العربي الجديد" أنّ هناك ثلاثة أهداف للكاتب المتنكر باسم ساخر، أولها الخلاص من الاستهداف الذي قد يطاوله، بعد نشر مقاله أو وثيقة ينتقد فيها الحكومة أو أحزابها ومليشياتها وزعمائها، والهدف الثاني الخروج بالقارئ والمتابع عن الروتين المعهود، ومحاولة إضفاء لمسات الفكاهة والمرح على المقالات والآراء المنشورة، أما الهدف الثالث فهو الحصول على حرية أكبر في التعبير عن الرأي.

"الحاج حمادي" و"طوير مندو" و"جقلمبة "و"سباهي أبو الكاهي" و"سَرسَري" وغيرها الكثير، أسماء عرفت على "فيسبوك" وهي مثيرة للسخرية والضحك بحد ذاتها، ولم يكتف أصحابها بذلك، بل يضعون صوراً شخصية ساخرة في الوقت ذاته.

الحاج حمادي كاتب ساخر يعرفه متابعوه وأصدقاؤه على فيسبوك بهذا الاسم فحسب، والذي يخفي وراءه كاتباً محترفاً، غير أنَّ وراء سخريته التي تثير الضحك مقالات تحمل في طياتها كثيراً من الأسرار الخطيرة التي لا يمكن له أن ينشرها باسمه الصريح. والحال نفسه بالنسبة للقابعين في المناطق التي يسيطر عليها، فيستخدمون أسماء وهميّة لنشر ما يجري بمدنهم وانتهاكات التنظيم بحق السكان هناك دون الخوف من اكتشاف أمرهم.

وكذلك الحال مع الكاتب "طوير مندو"؛ وهو اسم يحمل قصة مضحكة يعرفها العراقيون وتقول إنَّ "رجلاً اسمه "مَندو" كان يملك صقراً غبياً يذهب للصيد، لكنه يجلب إلى منزل صاحبه
الأفاعي والعقارب". ينشر "طوير مندو" على صفحته الشخصية كثيراً من العبارات والمقالات المقتضبة الساخرة التي تثير الضحك بشدة لأسلوبه الساخر، وطريقة رصفه للمفردات التي يلغمها بالمعلومات والأسرار التي يحتاجها قراؤه ومتابعوه.

اقرأ أيضاً: موسم الهجرة إلى السخرية في العراق

ولا يختلف الحال مع الكاتب "جقلمبة" وهي مفردة باللهجة العراقية مثيرة للضحك تعني "الشقلبة"؛ والذي ينشر أسراراً ومعلومات تفصيلية حول صفقات فساد لزعماء سياسيين وأحزابهم بطريقة ساخرة. ويرى مراقبون أنَّ هؤلاء الكتاب نجحوا في الخروج من طوق تكميم الأفواه في العراق، وأمنوا على أنفسهم بهذه الأسماء المستعارة، واستطاعوا استقطاب جمهور واسع ونشر تفاصيل خطيرة لا يمكن نشرها بأسمائهم الحقيقية.

ويعتقد الباحث الاجتماعي سالم السامرائي أنَّ "الكتابة بحد ذاتها فن؛ ولهذا الفن وسائل وأساليب متعددة كما هو معلوم، ولكن الوضع الأمني في العراق استثنائي جداً، ويحتاج من الكاتب أن يكون حذراً، وإلّا واجه الموت بعدة رصاصات في رأسه، بعد نشر مقالة أو رأي هنا أو هناك".

ويضيف السامرائي لـ"العربي الجديد": "التخفي والتنكر خلف أسماء ساخرة وهمية أسلوب رائع من قبل الكتاب، وقد عجزت أجهزة الأمن في الحكومة العراقية عن ملاحقتهم وإسكاتهم، ولم يبق لها سوى التبليغ عن صفحاتهم التي تقوم شركة فيسبوك بإغلاقها بين آونة وأخرى، بسبب كثرة التبليغات من مؤيدي سياسات الحكومة العراقية، ليعيد هؤلاء الكتاب افتتاح صفحاتهم من جديد".

ولا يشمل التنكر خلف أسماء مستعارة في العراق الكتاب والباحثين، بل الناشطين الشباب، في الوقت ذاته ممن يخشون الملاحقة والقتل على يد المليشيات، خاصةً في حال نشر تفاصيل تكشف جرائم تلك المليشيات، كما يقول الناشط محمد عامر. ويوضح أنَّ "حرية الرأي في العراق حبر على ورق ولا يستطيع كاتب أو ناشط التعبير عن رأيه بحرية في البلاد؛ لأنه سيقتل أو يتهم بأنه "داعشي" من هذا الفريق أو الفريق الآخر الذي سيتهمه بأنه موال لإيران أو حتى إسرائيل؛ لذلك فالأسماء المستعارة توفر جواً آمناً للكتاب والناشطين بعض الشيء".


اقرأ أيضاً: اهربوا من العراق.. قرّاء الطالع يحذّرون السياسيين
المساهمون