كأنها في حالة إنكار منذ إعلان خسارتها في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. ترفض هيلاري كلينتون الانسحاب من المشهد السياسي وتعود في كتاب جديد عنوانه "ماذا حصل" لتبرر لنفسها وللآخرين لماذا لم تتمكن من هزيمة واحد من أسوأ المرشحين في التاريخ الأميركي الحديث، الذي أصبح الرئيس دونالد ترامب.
تُوجّه هيلاري أصابع الاتهام يميناً ويساراً: مدير مكتب التحقيق الفيدرالي الأسبق جيمس كومي على "تدخّله الدراماتيكي" في الانتخابات، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لـ"هجومه السافر على ديمقراطيتنا"، الرئيس الأسبق باراك أوباما لعدم تحذيره الأميركيين علناً من تدخّلات الكرملين، منافسها اليساري بيرني ساندرز لهجماته السياسية التي كانت عائقاً أمام "التفاف" الليبراليين حولها، الإعلام الأميركي لتغطيته المجانية لترامب وتركيزه على قضية بريدها الإلكتروني، وكذلك تعصّب الناخب الأبيض والتمييز الجندري. كما تلوم نفسها بالقول "لقد تصالحت مع واقع أن الكثير من الناس، ملايين وملايين من الناس، قرروا أنهم لا يحبونني".
هذا الجَلد الذاتي لكلينتون بعد عشرة أشهر فقط من انتهاء الانتخابات، ليس مجرّد تأمل في هذه التجربة، بل محاولة لاستعادة حضور آل كلينتون المتهاوي في الحزب الديمقراطي ومحاولة للبقاء ذات جدوى في النقاش العام الأميركي. لكن في آخر استطلاع نشرته مؤسسة "راسموسن" هذا الأسبوع، رأى 61 في المائة من الأميركيين أنه حان وقت تقاعدها. وشعبيتها كانت حتى أقل من ترامب في استطلاع نشرته "بلومبرغ" قبل شهرين.
إذا كان هناك من رسالة سياسية في كتاب كلينتون الجديد، فهي موجّهة إلى الحزب الديمقراطي ومفادها يجب ألا تكون هناك أي تسوية مع بيرني ساندرز. لكن آخر ما يريده الليبراليون هو العودة إلى الوراء. هذا الموضوع شديد الحساسية في حزب لا يزال يعاني من الانقسامات التي خلّفتها الانتخابات التمهيدية العام الماضي بين قاعدة يسارية تدين بالولاء لساندرز من جهة، وأثرياء الحزب ونخبه من جهة أخرى.
ساندرز الذي يبقى أكثر السياسيين الأميركيين شعبية، بحسب استطلاع "هارفرد - هاريس"، لا يزال يحافظ على استقلاليته ضمن هيكلية الحزب ويربط دخوله النهائي بإقرار إصلاحات رئيسية. هناك انقسام حزبي بين من يقول إنه يجب التسوية مع ساندرز لعدم خسارة القاعدة اليسارية، وبين من يدعو إلى الضغط لينضوي تحت راية الحزب أو يرحل عنه. هيلاري كلينتون اعتبرت في كتابها أن ساندرز "ليس ديمقراطياً... لم يدخل السباق (الرئاسي) للتأكد أن ديمقراطياً سيفوز بالبيت الأبيض. دخل لتعطيل الحزب الديمقراطي". كل خاسر رئاسي في التاريخ الأميركي كان لديه من يلومه. ساندرز لهيلاري كلينتون يمثّل ما كان رونالد ريغان لجيرالد فورد، وما كان تيد كينيدي لجيمي كارتر.
اقــرأ أيضاً
بالفعل، أدبيات الخسارة في الانتخابات الرئاسية ليست جديدة في التاريخ الأميركي. المرشح أدلاي ستيفنسون وصف شعوره بالخسارة أمام دوايت إيزنهاور عام 1952 بأنه "مسن جداً ليبكي لكن الجرح كبير ليضحك". كلينتون أيضاً وصفت الشعور ذاته بالقول: "لم أستطع إنجاز المهمة، وعليّ أن أعيش مع هذا الأمر لبقية حياتي". آل غور استوعب خسارته المدوية أمام جورج بوش الابن عام 2000 وابتعد عن الأضواء لفترة قبل أن يجد قضية يحارب من أجلها، وهي التغير المناخي. ليس واضحاً بعد ماذا تريد أن تفعل هيلاري كلينتون بعد الانتهاء من ترويج كتابها.
منذ انطلاق حياتها العامة في أركنساس عام 1979، تحارب هيلاري كلينتون الصورة النمطية عنها. ما كتبته في "ماذا حصل" هو صدى لكتابها عام 2003 تحت عنوان "عيش التاريخ"، عن التحديات التي تواجهها كامرأة في الحقل العام. تقول في كتابها الأخير "كنت قد تركت وزارة الخارجية واحدة من أكثر الموظفين العامين إعجاباً في أميركا. الآن يبدو أن الناس يعتقدون أنني شريرة". وتتطرق في مكان آخر إلى قول الناس المتكرر بأنها لا تظهر على طبيعتها: "أراهن أنكم تعرفون عني أكثر مما تعرفون عن الحياة الخاصة لبعض أقرب أصدقائكم. لقد قرأتم رسائل بريدي الإلكتروني بحق السماء. ماذا تحتاجون أكثر؟ كيف يمكنني أن أكون (أكثر واقعية)؟ أرقص على الطاولة؟ أنكسر باكية؟ هذا ليس أنا. وإذا فعلت أياً من هذه الأمور، ماذا كان سيحدث؟ كنتم مزقتموني إلى قطع".
صرحت كلينتون أخيراً لمجلة "نيويوركر": "هناك الكثير من الناس يأملون بأن أختفي، لكن أنا هنا". هي شخصية إشكالية من دون شك لكن لا تزال لديها قاعدة مؤثرة في الحزب الديمقراطي، كما تبقى ظاهرة بارزة في تاريخ واشنطن وأول امرأة أميركية لامست الرئاسة وكسرت الحاجز الجندري في مجتمع سياسي لا يزال ذكورياً. في كتاب من حوالى 500 صفحة، نشره دار "سايمون وشوستر"، تخلّت كلينتون عن حذرها المعروف عنها وقالت كل ما في داخلها كأنها لم يعد لديها شيء تخسره. الكتاب كان تمريناً نفسياً لتجاوز الخسارة من دون مضمون يتأمل بتحوّلات المجتمع الأميركي أو الدينامية الجديدة في واشنطن أو الأسباب العلمية لخسارتها. في كتابها تشكو كلينتون لنفسها قبل كل شيء آخر، ويبدو كأنها لا تزال تجهل "ماذا حصل" فعلاً في حملتها الرئاسية.
تُوجّه هيلاري أصابع الاتهام يميناً ويساراً: مدير مكتب التحقيق الفيدرالي الأسبق جيمس كومي على "تدخّله الدراماتيكي" في الانتخابات، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لـ"هجومه السافر على ديمقراطيتنا"، الرئيس الأسبق باراك أوباما لعدم تحذيره الأميركيين علناً من تدخّلات الكرملين، منافسها اليساري بيرني ساندرز لهجماته السياسية التي كانت عائقاً أمام "التفاف" الليبراليين حولها، الإعلام الأميركي لتغطيته المجانية لترامب وتركيزه على قضية بريدها الإلكتروني، وكذلك تعصّب الناخب الأبيض والتمييز الجندري. كما تلوم نفسها بالقول "لقد تصالحت مع واقع أن الكثير من الناس، ملايين وملايين من الناس، قرروا أنهم لا يحبونني".
إذا كان هناك من رسالة سياسية في كتاب كلينتون الجديد، فهي موجّهة إلى الحزب الديمقراطي ومفادها يجب ألا تكون هناك أي تسوية مع بيرني ساندرز. لكن آخر ما يريده الليبراليون هو العودة إلى الوراء. هذا الموضوع شديد الحساسية في حزب لا يزال يعاني من الانقسامات التي خلّفتها الانتخابات التمهيدية العام الماضي بين قاعدة يسارية تدين بالولاء لساندرز من جهة، وأثرياء الحزب ونخبه من جهة أخرى.
ساندرز الذي يبقى أكثر السياسيين الأميركيين شعبية، بحسب استطلاع "هارفرد - هاريس"، لا يزال يحافظ على استقلاليته ضمن هيكلية الحزب ويربط دخوله النهائي بإقرار إصلاحات رئيسية. هناك انقسام حزبي بين من يقول إنه يجب التسوية مع ساندرز لعدم خسارة القاعدة اليسارية، وبين من يدعو إلى الضغط لينضوي تحت راية الحزب أو يرحل عنه. هيلاري كلينتون اعتبرت في كتابها أن ساندرز "ليس ديمقراطياً... لم يدخل السباق (الرئاسي) للتأكد أن ديمقراطياً سيفوز بالبيت الأبيض. دخل لتعطيل الحزب الديمقراطي". كل خاسر رئاسي في التاريخ الأميركي كان لديه من يلومه. ساندرز لهيلاري كلينتون يمثّل ما كان رونالد ريغان لجيرالد فورد، وما كان تيد كينيدي لجيمي كارتر.
بالفعل، أدبيات الخسارة في الانتخابات الرئاسية ليست جديدة في التاريخ الأميركي. المرشح أدلاي ستيفنسون وصف شعوره بالخسارة أمام دوايت إيزنهاور عام 1952 بأنه "مسن جداً ليبكي لكن الجرح كبير ليضحك". كلينتون أيضاً وصفت الشعور ذاته بالقول: "لم أستطع إنجاز المهمة، وعليّ أن أعيش مع هذا الأمر لبقية حياتي". آل غور استوعب خسارته المدوية أمام جورج بوش الابن عام 2000 وابتعد عن الأضواء لفترة قبل أن يجد قضية يحارب من أجلها، وهي التغير المناخي. ليس واضحاً بعد ماذا تريد أن تفعل هيلاري كلينتون بعد الانتهاء من ترويج كتابها.
منذ انطلاق حياتها العامة في أركنساس عام 1979، تحارب هيلاري كلينتون الصورة النمطية عنها. ما كتبته في "ماذا حصل" هو صدى لكتابها عام 2003 تحت عنوان "عيش التاريخ"، عن التحديات التي تواجهها كامرأة في الحقل العام. تقول في كتابها الأخير "كنت قد تركت وزارة الخارجية واحدة من أكثر الموظفين العامين إعجاباً في أميركا. الآن يبدو أن الناس يعتقدون أنني شريرة". وتتطرق في مكان آخر إلى قول الناس المتكرر بأنها لا تظهر على طبيعتها: "أراهن أنكم تعرفون عني أكثر مما تعرفون عن الحياة الخاصة لبعض أقرب أصدقائكم. لقد قرأتم رسائل بريدي الإلكتروني بحق السماء. ماذا تحتاجون أكثر؟ كيف يمكنني أن أكون (أكثر واقعية)؟ أرقص على الطاولة؟ أنكسر باكية؟ هذا ليس أنا. وإذا فعلت أياً من هذه الأمور، ماذا كان سيحدث؟ كنتم مزقتموني إلى قطع".