تحبّ أن تعرّف عن نفسها بـ "أم أحمد". ولدت كاملة حسين حليمة في عام 1921. تقول إنها خرجت من فلسطين وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وكان لديها أربعة أولاد ذكور. تنحدر من مدينة حيفا الفلسطينية، وزوجها من قرية صفورية، وكان يعمل في بور حيفا. "حين شعرنا بالخوف من الصهاينة، حملنا أغراضنا وانتقلنا إلى بلدة صفورية حيث يعيش أهل زوجي. هناك مكثنا لفترة وجيزة، قبل أن يبدأ العدو الصهيوني شن هجماته على البلدة. ذهبنا إلى مكان تكثر فيه أشجار الزيتون. تركنا مالنا وكل ما نملك وهربنا، وحمل زوجي معه شرشفاً ليستخدمه لاحقاً كغطاء يحمينا من الشمس والمطر".
تتابع: "أخبرني زوجي أنه علينا أن نهرب. إلا أنني لم أكن أستطيع السير، إذ كنت قد أنجبت ابني قبل ثمانية أيام فقط. فما كان منه إلا أن وضع الرضيع في شرشف وحمله بين أسنانه، كما حمل ولدين آخرين، فيما سرت خلفه إلى جانب ابني البكر. وصلنا إلى مكان احتمينا فيه لبعض الوقت، ثم صار يلحق بنا عدد من الناس، فأدركنا حينها أن الأوضاع تسوء. توجهنا إلى لبنان سيراً على الأقدام، وتحديداً إلى منطقة جويا (جنوب)، وجلسنا تحت الأشجار. وبعد أيام، قال لي زوجي إنه سيتوجه إلى صفورية ليتفقد والديه. رجوته ألا يذهب ويتركني مع الأطفال. فإن احتجت شيئاً، لن أستطيع العمل، إذ إن النساء في حيفا لم يعتدن العمل. أصر زوجي على الذهاب، وفي الطريق، كان هناك كمين للصهاينة. خلال سيره وصديقه، لاحظا أن هناك أشخاصاً يقفون بعيداً. فقال الصهاينة: صديق، التي كانت تعني الأمان بالنسبة للفلسطينيين. وحين اقترب زوجي وصديقه، قتلهما الصهاينة على الفور. عرفت ذلك لاحقاً من أشخاص رأوا الحادثة".
مرت أيام ولم يعد زوجي. خفت وصرت أبحث عنه. قصدت بصّارة في منطقة الصرفند (جنوب لبنان). ذكرت لها أوصاف زوجي، وأخبرتني أنه استُشهد. وتوضح أنها بقيت وأولادها في جويا مدة أربعة أشهر تقريباً. بعدها، "طُلب منا تسجيل أسمائنا تمهيداً لنقلنا إلى مخيم عين الحلوة (جنوب لبنان). هناك، عشنا في خيام لفترة طويلة من الزمن. وحتى أطعم أولادي، اضطررت إلى العمل في تنظيف البيوت، وزراعة الأراضي. حين عملت في الأرض، طلب مني صاحب العمل عدم الحضور، والبقاء في البيت مع الأولاد، وصار يرسل لي مبلغاً من المال أسبوعياً. لاحقاً، طلب مني إلحاق ابني الصغير في مدرسة داخلية ليخفف عني أعباء التعليم والمأكل، فرفضت. ثم طلب مني أن أبيعه إلى رجل ثري لم يُرزق بأولاد. عندها، صرخت في وجهه، وأخبرته بأنني أرفض ذلك بشكل قاطع".
وتوضح أنها عندما بدأت العمل، باتت تعرف كيفية الذهاب إلى منطقة صيدا (جنوب لبنان). قصدت محلاً لبيع الأخشاب واشترت ألواحاً خشبية أرادت أن تحملها معها حين تعود إلى فلسطين. إلا أنها ما زالت حتى اليوم تعيش في هذا المكان.
تذكر أن ابنها الأكبر سناً كان مديراً لمدرسة، ومسؤولاً في حركة فتح. إلا أنه استشهد خلال الحرب الأهلية في لبنان. ابنها الثاني ترك المدرسة. حاولت جاهدة ثنيه إلا أنه كان يريد لوالدته أن ترتاح بعض الشيء. لكنه استشهد من جراء سقوط قذيفة خلال عودته إلى البيت في أحد أيام العمل. ابنها الثالث قتل أيضاً خلال المعارك، بفارق زمني قصير عن شقيقه الثاني. أما ابنها الصغير، فما زال على قيد الحياة، إلا أنه أصيب بمرض السرطان، ولديه ابنان متزوجان، وأربع بنات متزوجات أيضاً.
أما عن حياتها وكيفية تدبير نفسها، فتقول: "أتناول كل وجبة من وجبات طعام الغداء عند أحد الجيران. أما طعام العشاء، فأؤمنه مما يضعه الناس في يدي من مال. أشتري اللبنة أو البيض والخبز، وأعد العشاء. أخجل من جيراني لأنني أتناول الطعام عندهم، لكنني مجبرة على ذلك، وليس لدي خيار آخر". يحزنها أنها لم تتمكن من أداء فريضة الحج. ورغم مرور كل هذه السنوات، ما زالت تتمنى العودة إلى فلسطين. "أتمنى ألا أموت إلا في تراب فلسطين".