كافيه يونس والمودكا: أجيال تشرب القهوة

02 يناير 2015
فنجان القهوة مع هاشتاغ (Getty)
+ الخط -
لم أكن أحب القهوة عندما كنت صغيراً، لكنني لطالما أحببتُ مقهى الرصيف في شارع الحمرا، وتحديداً مقهى المودكا في الحمرا. أذكر أنني كنت أنتظر عطلة نهاية الأسبوع حينما كنتُ في السابعة من عمري لزيارة شارع الحمرا مع الأهل للتسوّق والتبضّع ومشاركتهم الغذاء أو العشاء، وكانت زيارتنا لمقهى المودكا ضرورية. هناك ماكينات جلاب، وليموناضة تدور أمام عيون طفل يجلس مع والده الذي يقرأ الجرائد. الألوان تختلط في مخيلته. الوالد يرتشف القهوة (الاسبرسو) ببطء، يدخن الغولواز. يدخل الصغير إلى المرحاض، ويراقب ملصقاً عليه التالي: "1975 نيسان، تنذكر وما تنعاد". لم يكن يعلم ما تُمثّله هذه المقولة، فهو لم يختبر سوى الحروب الباردة الدائمة. المودكا أقفل أبوابه عام 2003.

أنا اليوم في مقهى "كافيه يونس" في الحمرا، حيث أجلس عادة أمارس ما كان يفعله أبي في الكتابة، واجتماعات عمل، ومواعيد غرامية. كرائدٍ لمقاهي بيروت، أكتب عن ذاكرةٍ تُفقد يوماً بعد يوم حين يُغلق مقهى الرصيف أبوابه، فيختفي الروّاد.

ولكنني أشتاق لملوخيّة المودكا وللشيزبرغر في مقهى الويمبي ولرائحة السيجار في مقهى "كافيه دو باري". الثلاثي الثقافي وُلد بين مقاعد أرصفة تلك المقاهي. وأنا ترعرتُ بينها، حُملتُ على أكتاف رفاق الأهل من شعراء وكتّاب وممثلين.

ومع ارتفاع أسعار لوائح الطعام والمقاهي من 2000 إلى 7000 ليرة كسعرٍ لفنجان القهوة، قلّ عدد الرواد وبات النمط متغيّراً، إلاّ أنّ الفارق بين مودكا السبعينيات وكافيه يونس الـ 2014 هو جلوس الأجيال في المقاهي. مَن كان يجلس في المودكا كان يحضّر ثورةً أو يطوّر فكرةً أو يكتب قصيدة. أمّا اليوم، فأصبح المقهى مساحةً للصمت، استُبدلت الأحاديث الحقيقية بالتكنولوجيا. بات الرّوتين صورة على "إنستاغرام" لفنجان القهوة مع "هاشتاغ": الثورة الافتراضية.

ما زلت من هواة الكتب والفنجان والعشاق في المقهى، أُفضّل الأحاديث والأفكار المتناثرة على رصيف كافيه يونس، ولا أُمانع من التقاط صورة جماعية للحظة وتوثيقها على "إنستاغرام".
دلالات
المساهمون