كاتب من العالم: مع آزيتا قهرمان

08 سبتمبر 2020
آزيتا قهرمان (تصوير: هاكان روجر)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وبعض ما يودّ مشاطرته مع القارئ العربي. "الهجرة غيّرت أسئلتي... كيف يمكن خلق سردية جديدة في الشعر من تجربة العنف والاستبداد؟"، تقول الشاعرة الإيرانية لـ "العربي الجديد".


■ كيف تقدّمين المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- الشعر هو الروح المشتركة بين الإيرانيّين؛ فالشعراء الكلاسيكيّون، كالفردوسي وحافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وجلال الدين الرومي وعمر الخيّام، هم أساتذة لعواطفنا وهويّتنا، وقبورهم أيضًا لا تزال مكانًا للزيارة. بدأ الشعر الفارسي الحديث قبل ثمانين عامًا مع نيما يوشيج. فأحمد شاملو وفروغ فرخزاد ومهدي أخوان ثالث وسهراب سبهري هم روّاد الشعر الحديث الفارسي. ونموُّ الشعر الفارسي وتنوُّعه في السنوات الأخيرة، رغم القمع والرقابة وقتل الشعراء والمثقّفين، دليل على هذه المقاومة والحضور.


■ كيف تقدّمين عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحينه أن يبدأ؟
- كانت كتابة الشعر تجربة مثيرة بالنسبة إليّ لاكتشاف الحياة وما فيها. هي فرصةٌ للحلم والحوار مع الآخر، واكتشاف صوتي كشاعرة في مجتمع ولغة وُلدت فيهما. ومجموعة مختارة من قصائدي مزدوجة اللغة بعنوان "نكاتيف لصورة جماعية"  Negative of a Group Photograph نُشرت في دار Blood X London تُظهر جزءاً من مسيرتي الشعرية خلال السنوات الماضية.


■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- غيّرَت جائحة كورونا تصوُّرنا للحب والموت؛ فالحب الآن هو موضوع علاقة أو مسافة مع الآخر. حبٌّ عميق واتصال بين جميع الكائنات؛ من الإنسان والحيوان والنبات. في الطبيعة كلّنا واحد، وهو الحب. فهناك تعاطف ومسؤولية لهذه الوحدة. والشعر هذه الأيام هو عزاؤنا الروحي الوحيد الذي يمكنه التعبير عن هذه المشاعر والذكريات الغريبة والحفاظ عليها.


■ ما أكثر ما تحبّينه في الثقافة التي تنتمين إليها وما هو أكثر ما تتمنّين تغييره فيها؟
- لقد جئت من ثقافة مرّت بتجربة الدمار والظلام عدّة مرّات، ووُلدت من جديد مثل طائر الفينيق. هذه الذكريات هي دليلنا ونور طريقنا. غليان الحياة والفن والبحث عن المعرفة والسعادة والحرية في جيل الشباب في إيران يستحق الثناء. لكن للأسف بقدر ما لدينا عواطف قوية لدينا نسيان وحماس أيضًا، وتحت ضغط سلطوي، ما زلنا في أزمة عميقة عالقين في التعريفات التقليدية.

الشعر هو عزاؤنا الروحي الوحيد هذه الأيام


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟
- أريد أن أحظى بطفولة أكثر سعادة هذه المرّة، وألّا أقضي مراهقتي في الثورة والحرب والإرهاب. وبدلاً من كتابة الشعارات على الجدران، أكتب رسائل حبّ لحبيبي، وأن تكون الحرية تجربةً حية. وأن أعمل في إيران مع أصدقائي في مجال تدريس الفنون والأدب للشباب. وألّا يجعلني اهتمامي بالكتابة أجلس لساعات وحدي، أو أُجبَر على العيش في مكان بعيد. أريد أن أتعلّم العزف على آلة موسيقية وأن أكون صديقةً لأشخاص مثيرين للاهتمام.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- أن يلعب الفن والمعرفة دورًا هامًا في وعينا بالحياة. أن يتغيّر نظام التعليم في مدارس العالم ويختفي الجوع والعنف والسجون تمامًا كما اختفت العبودية، وأن يتمّ القضاء على انتهاك الحرية؛ يجب القضاء على الاستهلاكية، وظلم الأنظمة، وخداع وسائل الإعلام المعتمدة على المال والسلطة، وإهدار طاقات البشرية والطبيعة؛ وأن يُضاء بالأمل والحب قلب الإنسان المكتئب.


■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- هناك العديد من الأشخاص المهمّين جدًا بالنسبة إليّ، لكن لا شيء في الماضي يمكن تغييره أو إعادته. أتمنّى أن تُتاح لي الفرصة لمقابلة شاعر في المستقبل وأن أتعلّم أشياء رائعة منه.


■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- كتابة الشعر هي تحرير اللغة من هيمنة الأساليب التقليدية واجتياز الحواجز الذهنية. يجب على الفنان أن يتجاوز الحواجز الخارجية الأُخرى؛ كالقمع والرقابة وسلطة المجتمع والسياسة في العصر الذي وُلد فيه. في العصر الذي تكون فيه وسائل الإعلام والإعلان في عالم الفن هي ما يصنع الأذواق، فإن الشعر هو الصوت الحرّ للأحلام والآمال الإنسانية المشتركة في هذا الصخب المجنون في عالمنا المزدحم.


■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- الهجرة غيّرت أسئلتي... كيف يمكن خلق سردية جديدة في الشعر من تجربة العنف والاستبداد؟ وكيف يمكن إعادة قراءة الأدب المحلّي وتقديمه في مجتمع جديد؟ حيث كلّ كلام لك، كمهاجر، يتمّ فهمه من منظور سياسي فقط، وليس من منظور ثقافي واسع.


■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافقين على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- حتى وإن أُغلقت الحدود وجرت الحروب بين الحكومات، يبقى مسار الثقافة كنهر حر. وحتى وإن اختفت العلامات الثقافية للنبرة واللغة المألوفة في ترجمة الشعر، لكن ما يتمّ إبداعه هو ازدهار المفاهيم والفكرة الجديدة والخيال الجديد في مشهد مشترك. إذا كان برج بابل رمزاً للاغتراب والانفصال بين الشعوب؛ ستبقى الترجمة فنّاً سحريًا لنسج العلاقات الإنسانية والتعاطف.


■ كيف تصفين علاقتك مع اللغة التي تكتبين فيها؟
- تربطني اللغة الفارسية بطفولتي وذكرياتي الثقافية القديمة في بلدي. الفارسية هي اللغة التي تعلمتُ منها الأسماء والأمكنة والمفاهيم. وعواطفي ومشاعري ومخيلتي تم تشكليها بهذه النبرة وهذه اللغة. لكن قوة اللغة بقدر ما توسع العقل وتثريه هي أداة للفكر ووصف المشاعر والنظر إلى الأشياء أيضاً. وهذا التناقض منح الكتابة والحياة معنى جديداً في المهجر.

جئت من ثقافة مرّت بتجربة الدمار والظلام عدّة مرّات

■ كاتب منسي من لغتك تودّين أن يقرأه العالم؟
- الشاعر الملحمي الحكيم أبو القاسم الفردوسي صاحب كتاب "شاهنامة".


■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحبّين أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- الحضور في زمني هو الأكثر أهمية. ورغم هذا التغيير السريع، من المحتمل أن يكون أدبنا وتخيّلنا ووجهة نظرنا للأشياء غريبًا وغير مرغوب فيه للأجيال القادمة بعد خمسين عاماً.


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- ليس فقط أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة كالتاريخ والأساطير والكلمات، بل نحن قريبون جدًّا من حيث العواطف والتاريخ والشعر والثقافة والمعتقدات. ومشاكلنا الاجتماعية والثقافية في العالم اليوم واحدة.  يحظى شعر مختلف الشعراء العرب بشعبية كبيرة بين الإيرانيين وهو مليء بالتعاطف والألفة. آملة أن يحظى الشعر الفارسي أيضاً بشعبية بين القرّاء العرب.


بطاقة 
شاعرة وكاتبة ومترجمة إيرانية من مواليد 1962 في مدينة مشهد. تعيش في السويد منذ 2006. صدر لها عشرون كتاباً في الشعر والقصة، إلى جانب كتب مترجمة لشعراء سويديّين إلى الفارسية. صدر كتابها الأول "أغاني حواء" عام 1990، وترجمت مجموعة من كتبها إلى اللغات السويدية والإنكليزية والروسية، وآخرها مجموعةً شعرية بالإنكليزية والفارسية عن "دار بلادكس" في لندن عام 2018. كما تُرجمت قصائدها إلى لغات مختلفة من بينها العربية. 

المساهمون