كاتب الأدب البوليسي روجيه بورنيش: رحيل عن 101

19 يونيو 2020
بورنيش في 1992 (تصوير: لوي مونييه، Getty)
+ الخط -

إذا كانت الرواية البوليسية التقاء بين عالمَيْ الأدب والجريمة، فإن صُنّاعها ليسوا دائماً عارفين بكواليس هذه الفضاءين المتباعدين، ولذلك يجري التعويل عادة على المخيال كما هو الحال مع أبرز كتّاب الرواية البوليسية مثل أرثر كونان دويل الذي كان طبيباً أو أغاثا كريستي التي كانت ربّة بيت مع بعض الأنشطة الأركيولوجية.

في المقابل، يوجد مؤلِّفون في الأدب البوليسي ينطلقون من خبرة حقيقية، ومنهم الكاتب الفرنسي روجيه بورنيش الذي رحل عن عالمنا الأربعاء الماضي متجاوزاً المئة سنة بعام، حيث ولد في 1919، وانضمّ في شبابه للجيش الفرنسي قبل أن يلتحق بجهاز البوليس في أربعينيات القرن الماضي، وهي فترة توافق الحرب العالمية الثانية والتي احتلّت ألمانيا خلالها فرنسا، ونصّبتْ حكومةَ فيشي الموالية لها، وهو ما دفع بورنيش إلى الاستقالة قبل أن يعود إلى موقعه في 1944 بعد خسارة النازيين للحرب.

تحضُر مثل هذه الخلفيات في مؤلفات بورنيش، وقبل أن يخوض مغامرته الأدبية عُرف اسمه في نشرات الأنباء مع إشرافه على القبض على عدد من أبرز رجال العصابات في الخمسينيات مثل إيميل بويسون ورونيه لاكان، وهي قضايا كبرى سَلّطت عليه الأضواء في وقت كان المزاج الشعبي مهيّأ لمثل هذه الأحداث وهذا النوع من البطولات.

ستحضر هذه القضايا عبر أحداث روايات عدّة، مثل عمله الأدبي الأول "فليك ستوري" (1973) والذي حاول فيه فهم العلاقة المعقّدة التي تقوم بين المحقِّق والمُجرِم، وفي 1974 أصدر عملاً بعنوان "رونيه لاكان: لعبة الشطرنج بين عقل إجرامي وشرطي ذو خيال واسع"، وفيه كسر الحدود بين عوالِم الرواية والواقع بشكل أثار إعجاب النقاد والجمهور، وقدّم شخصية رجل العصابة وكأنه يكتب عملاً بيوغرافياً عن فنان معروف أو رجل سياسية شهير.

من الأعمال الأخرى التي لقيت صدى طيّباً؛ "العصابة" (1975، الصورة)، و"المُخبِر" (1977) التي تعتبر لحظة اكتمال صنعته الأدبية. ومن أعماله الأخرى: "المالطي" (1981)، و"النمر" (1982)، و"اختطاف" (1990)، و"ملفات خاصة جداً" (1999).

يذكر أن بورنيش فصل بين مسيرتيه المهنية والأدبية حيث بدأت الثانية بعد استقالته في 1965 وبعد عدد من السنوات اشتغل فيها كمحقّق خاص في مكتب أنشأه بنفسه وتخصّص في الجرائم المالية. ومع تحقيقه لشهرة أدبية سريعة كان ينسحب بالتدريج من عالم التحقيقات البوليسية الواقعية إلى عالم التحقيقات عبر الرواية، ليبدو وكأنه يُحبّ أن يتأمل الجريمة عن بُعد ويرسُم ملامِحَها من خلال الأدب.

استفاد الكاتب الفرنسي من السينما التي زادته شهرة، وقد اختار أن يعيش لسنوات في الولايات المتحدة الأميركية بعيداً عن الأضواء في بلاده التي عاد إليها بشكل نهائي في 2015، ليستقر في مدينة كان Cannes على الساحل المتوسطي حيث رحل بهدوء بعيداً عن صخب رواياته.

دلالات
المساهمون