30 مايو 2019
كابوس يقظة لمواطن سوري
علي خيري (مصر)
كابوس اليقظة الذي قد تتفاجأ أنّه حياتك، هو ما أعيشه هذه الأيام.
ماذا يمكن أن أرى في كابوس أكثر من أنّ بلدي أصبحت أكبر مستورد للمحتلين في العالم، والغريب أنّ بعض أبناء هذا البلد يهلّل لهم، ويستقبلهم استقبال الفاتحين، في حين أنّهم لم يأتوا إلّا ليقتلوا أبناء جلدتهم، ويحتلوا أرض وطنهم.
بيتي لم يصبح هذا البيت الجميل الذي نشأت فيه، ولم أكن أتخيّل يوماً أن أراه ركاماً من جرّاء براميل الموت التي أطلقتها طائرات الجيش السوري الذي حلمت يوماً أن أكون أحد أفراده، أقاتل أعداء وطني تحت رايته، وأحرّر أرض الجولان المحتل، بل أصبح خيمةً في العراء، خيمة تكفينا، بالكاد أسمع منها صوت تنفس من بالخيمة المجاورة ناهيك عن كلامه، أقضي حاجتي الآن في العراء، وأكبر أمنياتي ألّا يراني أحد، هذا شعوري، فبماذا تشعر أمي وأختي وزوجتي؟
بعدما خرجنا بمعجزة من الجحيم (هذا الذي كان بلدي في يوم ما، وما زال أحب الأماكن إلى قلبي، على الرغم من أنني دفنت فيه أبنائي جميعاً، وأنا لم أتمّ الثلاثين بعد) أصبح همي في كل لحظة، ماذا سنأكل اليوم؟ ماذا لو مرضت أمي المريضة أصلا؟ ماذا لو طردتنا هذه الدولة التي استضافتنا على مضض؟ ماذا لو غضب علينا الحاكم؟ ماذا لو... ماذا لو؟ أسئلة لا تنتهي وتأكل في عقلي كل لحظة.
كلّ هذا، ولم أقل لك عن الغصّة التي أصبحت ملازمة لي كلما تذكّرت وطني الذي لم أنسه أبداً، وإن حاولت أن أتناسى مصيبته، فيكفيني أن أفتح أيّ نشرة أخبار من التي أصبحت أخبارنا وصورنا فيها من العناوين الرئيسية، وغالباً لا تتغيّر العناوين، ما قد يتغيّر، فقط، هو الضحايا والمكان.
عندما رأيت صورة أمي، وهي تقبّل يد المجندة الأوروبية، لكي تسمح لها بالهروب من الأتون المشتعل في بلدها، تتداولها المواقع الإخبارية ويراها كل العالم، أتدرون كم الألم الذي عانيته، أتدرون أنّ أمي هذه التي رأيتموها تقبّل الأيادي من أعزّ الناس نفساً وأعلاهم نسباً، لكنها رأت جحيماً يشيب لرأسه الولدان، فقدت أحفادها جميعا، وتخشى أن يلاقي ابنها المصير نفسه.
لم أدرك معنى حق العودة الذي ينادي به الفلسطينيون، إلّا بعدما أصبحت لاجئاً، أدرك معنى الغربة، فأن تكون غريباً فهذا معناه أنك إنسان من الدرجة الثانية، هذا في أكثر المجتمعات رقياً، أما في المجتمعات الأقل رقياً فهو يمن عليك إن أعتبرك إنساناً في الأساس.
أحياناً كثيرة، أحسد أبنائي على مصيرهم، وأتمنى لو كنت معهم لأنهم ارتاحوا.
هذا جزء من كابوسي الذي لا أصحو منه.
ماذا يمكن أن أرى في كابوس أكثر من أنّ بلدي أصبحت أكبر مستورد للمحتلين في العالم، والغريب أنّ بعض أبناء هذا البلد يهلّل لهم، ويستقبلهم استقبال الفاتحين، في حين أنّهم لم يأتوا إلّا ليقتلوا أبناء جلدتهم، ويحتلوا أرض وطنهم.
بيتي لم يصبح هذا البيت الجميل الذي نشأت فيه، ولم أكن أتخيّل يوماً أن أراه ركاماً من جرّاء براميل الموت التي أطلقتها طائرات الجيش السوري الذي حلمت يوماً أن أكون أحد أفراده، أقاتل أعداء وطني تحت رايته، وأحرّر أرض الجولان المحتل، بل أصبح خيمةً في العراء، خيمة تكفينا، بالكاد أسمع منها صوت تنفس من بالخيمة المجاورة ناهيك عن كلامه، أقضي حاجتي الآن في العراء، وأكبر أمنياتي ألّا يراني أحد، هذا شعوري، فبماذا تشعر أمي وأختي وزوجتي؟
بعدما خرجنا بمعجزة من الجحيم (هذا الذي كان بلدي في يوم ما، وما زال أحب الأماكن إلى قلبي، على الرغم من أنني دفنت فيه أبنائي جميعاً، وأنا لم أتمّ الثلاثين بعد) أصبح همي في كل لحظة، ماذا سنأكل اليوم؟ ماذا لو مرضت أمي المريضة أصلا؟ ماذا لو طردتنا هذه الدولة التي استضافتنا على مضض؟ ماذا لو غضب علينا الحاكم؟ ماذا لو... ماذا لو؟ أسئلة لا تنتهي وتأكل في عقلي كل لحظة.
كلّ هذا، ولم أقل لك عن الغصّة التي أصبحت ملازمة لي كلما تذكّرت وطني الذي لم أنسه أبداً، وإن حاولت أن أتناسى مصيبته، فيكفيني أن أفتح أيّ نشرة أخبار من التي أصبحت أخبارنا وصورنا فيها من العناوين الرئيسية، وغالباً لا تتغيّر العناوين، ما قد يتغيّر، فقط، هو الضحايا والمكان.
عندما رأيت صورة أمي، وهي تقبّل يد المجندة الأوروبية، لكي تسمح لها بالهروب من الأتون المشتعل في بلدها، تتداولها المواقع الإخبارية ويراها كل العالم، أتدرون كم الألم الذي عانيته، أتدرون أنّ أمي هذه التي رأيتموها تقبّل الأيادي من أعزّ الناس نفساً وأعلاهم نسباً، لكنها رأت جحيماً يشيب لرأسه الولدان، فقدت أحفادها جميعا، وتخشى أن يلاقي ابنها المصير نفسه.
لم أدرك معنى حق العودة الذي ينادي به الفلسطينيون، إلّا بعدما أصبحت لاجئاً، أدرك معنى الغربة، فأن تكون غريباً فهذا معناه أنك إنسان من الدرجة الثانية، هذا في أكثر المجتمعات رقياً، أما في المجتمعات الأقل رقياً فهو يمن عليك إن أعتبرك إنساناً في الأساس.
أحياناً كثيرة، أحسد أبنائي على مصيرهم، وأتمنى لو كنت معهم لأنهم ارتاحوا.
هذا جزء من كابوسي الذي لا أصحو منه.