إياكم أن تنسوا أعداءكم

10 نوفمبر 2016
+ الخط -
أمشي في شارع قاهري المظهر، المارة فيه مصريو الشكل، لكنهم جميعاً يرتدون قمصاناً مرسوماً عليها علم إسرائيل. في الطريق أجد مدرسة مكتوب عليها مدرسة القدس الثانوية، أدخل فأجد الطلبة يقفون في طابور الصباح ويحيون العلم، أنظر إلى العلم فأصعق، ما هذا العلم المسخ؟
كان العلم علم إسرائيل محاطاً ببراوز، خمّنوا ما هو إنه علم مصر!، أو قل إنّ علم إسرائيل أصبح في قلب علم مصر.
أركض في الشارع كالمجنون، أسأل الناس أين أنا؟ فيردون عليّ بالعربية إننا في مصر، لا أدري، هل أفرح لأنني لست في أرض العدو، أم أموت كمداً لأنّني لم أعد أعرف من العدو؟ وعندما أصل إلى هذه المرحلة (دائماً هذة المرحلة) أستيقظ مفزوعاً، وأتلفت حولي لأجد نفسي في غرفتي وعلى سريري.
أصبح هذا الكابوس يراودني باستمرار، وخصوصاً بعد جنازة شمعون بيريزالرئيس السابق للكيان الصهيوني، مجرم الحرب المعروف، ذلك الرجل الذي تربيّنا على كراهيته وكراهية كلّ ما ينتج عن الكيان الصهيوني، إلى درجة أنّك إذا قلت أمامي كلمة العدو فقط مجردة من أيّ إيضاح فلن يتبادر الي ذهني إلا هذا الكيان. هكذا تربينا، إلا أنّني فوجئت ببكاء وزراء ورؤساء عرب في جنازته، فأصبت وقتها بحالة كالتي أشعر بها عند نهاية كابوسي الذي سبق ورويته لك، مرحلة عدم التمييز بين العدو والصديق.
المرة الأولى التي هاجمني فيها هذا الكابوس المرعب، كانت عندما رأيت شابة عشرينيه تسير بجوار والدها، وهي ترتدي عباءة هي علم بريطانيا، إذا رأيتها عن بعد تتصوّر أنّ أحدهم يلوّح بعلم بريطاني من القياس الكبير، وهي ترتدي بالإضافة لذلك حجاباً يحمل نفس العلم.
هذا المنظر الشاذ (من وجهة نظري) دفعني للتفكير، ألم تكن بريطانيا عدوتنا في يوم ما، ألم تحتلنا أعواماً، ألم تكن بريطانيا هي المجرمة التي سفكت دماء المصريين في دنشواي ظلماً في العام 1906، وقبلها احتلتنا منذ العام 1882، ثم قامت بمذابحها المروّعة لقمع ثورة آبائنا الكرام في 1919، تلك المذابح التي قصفت فيها القرى المصرية بالطائرات، كما هو مذكور في كتب التاريخ التي لم نعلم عنها أيّ شيء خلال دراستنا في المدارس، وبعدها ارتكبت الكثير والكثير من الجرائم في حق شعبنا، ما الذي حدث فينا إذن لكي نرتدي علمها ونحن في غاية الاعتزاز؟.
أظنّ أنّ أجدادي نشّؤوا أبناءهم على كراهية هذة الدولة التي قتلتهم في شوارع بلادهم ومنعتهم من مجرد الحلم بالحرية أو الإستقلال، وكانت انجلترا بالنسبة إليهم هي العدو التقليدي، فوقتها يا صديقي لم يكن قد نشأ كيان يسمّى إسرائيل، فكان همّهم الأساسي تحرير بلادهم من نير المحتل الإنجليزي، فما الذي حدث إذن؟ كيف ينسى الأحفاد ما حدث لأجدادهم؟
الإجابة يا صديقي أنّ هذا ما حصل، والأسباب يطول شرحها ويكفيني هنا أن أنبّهك ألا تسرف في اللوم على الأحفاد، فهم لا يعرفون شيئاً عما حدث لأجدادهم، ذلك لأنّ من يحكمونهم صمّموا على أن يخرج الرجل فيهم خالي الوفاض من أيّ ذكرى عن كفاح أجداده قد تشعل في نفسه جذوة العزّة التي تجعله يطالب بحقه هو الآخر في الكرامة والحرية.
ما أقوله هنا، يا صديقي، إنّ المشكلة التي تؤرقني، وتجعل النوم يفرّ من جفوني، هو سؤال: هل من الممكن أن يرى ابني أو حفيدي فتاة ترتدي عباءة تحمل علم الكيان الصهيوني؟ ما الذي يضمن لنا أن لا ينسى أحفادنا أنّ الكيان الصهيوني هو عدّونا، وأنّه اغتصب قدسنا وأرضنا، فكروا في إجابة لهذا السؤال ولا تغتروا بواقع الحال الذي يقول إنّنا نراهم الآن أعداء.
ربّوا أولادكم على أنّ هؤلاء الناس أعداؤهم، علموهم أنّ فلسطين أرضهم، وأنّ القدس حرمهم، وإياكم إياكم أن تنسوا أعداءكم .
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
علي خيري (مصر)
علي خيري (مصر)