في الوقت الذي يكافح فيه لبنان للخروج من أوجاعه المالية الخانقة وأزمته الاقتصادية الحادة، جاء انفجار يوم الثلاثاء "المروع والمريب" ليزيد من تلك الأوجاع المزمنة، ويعمق من الأزمات القاسية التي دفعت حكومة حسان دياب للإعلان في شهر مارس/ آذار الماضي عن توقف البلد عن سداد ديونه الخارجية، كما عقّدت الأحوال المعيشية للمواطن الذي بات يئن تحت ويلات الفقر والبطالة وقفزات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وتآكل المدخرات الوطنية.
وفي الوقت الذي يخوض فيه لبنان مفاوضات شاقة وشبه متعثرة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة تقل عن 10 مليارات دولار لمعالجة أزمات عدة، منها اضطرابات سوق الصرف، وتهاوي قيمة العملة الوطنية، وندرة النقد الأجنبي في الأسواق، وتراجع احتياطي مصرف لبنان المركزي، جاء انفجار مرفأ بيروت "المأساوي والكارثي" ليضيف مزيدا من تلك الأزمات، ويعمق من أزمة فقدان الثقة على كل المستويات، الاقتصاد الكلي، البنوك، قطاع الأعمال، الفندقة والسياحة، مناخ الاستثمار، الاستثمارات الأجنبية، وقبلها النظام الحاكم والنخبة، خاصة مع تكلفته الفادحة والتي قدرت مبدئيا بنحو 5 مليارات دولار.
وفي الوقت الذي تحاول فيه مصارف لبنان إقناع مودعيها بعدم سحب مدخراتهم الدولارية حتى لا ينهار القطاع وتعلن بعض وحداته الإفلاس بسبب التعثر المالي ونقص السيولة، تأتي ضربة الميناء، الأهم والاستراتيجي في لبنان، لتزيد الضغوط على القطاع المالي والمصرفي، وتهز ثقة المودعين، ليس في البنوك وحدها، بل في البلد ومستقبله، بل ويدفع الحادث المدخرين نحو تخزين مزيد من الأموال خارج البنوك وتحت البلاطة، علما أنهم خزنوا نحو 6 مليارات دولار في المنازل خلال الفترة الماضية.
وفي الوقت الذي تعاني فيه الأسواق اللبنانية من قفزات متواصلة لأسعار السلع الأساسية واحتكارات وانعدام الاستقرار بسبب تهاوي سعر الليرة مقابل الدولار، يأتي انفجار مرفأ بيروت الضخم والذي حول الميناء إلى رماد حيث تمت تسويته بالأرض، ليعمق أزمات الأسواق واختناقات السلع، وخاصة أن هذا المرفأ يعد أكبر نقاط الشحن والتخليص اللبنانية، إذ تمر من خلاله 70 بالمائة من حركة السلع القادمة إلى البلاد، كما تخزن به السلع الغذائية من قمح وأرز وغيرها.
وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تراهن على معاودة الاقتراض الخارجي عقب الحصول على شهادة ثقة من صندوق النقد الدولي وتحسين التصنيف الائتماني، جاء انهيار الثلاثاء الذي حول بيروت إلى عاصمة منكوبة ليهز ثقة الدائنين الدوليين ويقلق أصحاب السندات بشدة، ويزيد الضغوط على الليرة التي تعاني أصلا من انهيارات قياسية وفقدان ثقة شديد.
وفي الوقت الذي كان فيه لبنانيون يراهنون على جذب استثمارات خارجية، وحدوث مزيد من تحويلات المغتربين في إطار المساهمة في حلحلة الأزمة المالية والاقتصادية الحالية، جاء انفجار مرفأ لبنان ليزيد مخاوف المستثمرين اللبنانيين قبل العرب والأجانب، بل وربما يطرد رأس المال الأجنبي القائم في لبنان.
وبينما لم يلملم قطاع الأعمال جراحه وخسائره بعد والناتجة عن تفشي كورونا وقبله الاحتجاجات الشعبية وفساد النخبة الحاكمة، جاء انفجار الثلاثاء ليفاقم خسائر الشركات الخاصة والتي تعثرت عن تسديد قروض تقدر بـ9 مليارات دولار خلال الفترة الماضية.
وبينما كان البعض يراهن على تنشيط قطاع السياحة وإعادة جذب السياح العرب والأجانب مع عودة الاستقرار السياسي وقبله المالي، وبالتالي ضخ سيولة طازجة في سوق الصرف الأجنبي وداخل فنادق وبنوك لبنان تأتي ضربة يوم الثلاثاء التي شبهها اللبنانيون بانفجار قنبلة هيروشيما لتوجه ضربة قوية لقطاع السياحة اللبناني بالكامل.
لبنان بات في مفترق طرق في ظل تعقد المشهد السياسي والمالي والاقتصادي، والآن الأمني، وبالتالي أما التعافي ولملمة كل تلك الجراح العميقة بمساعدة اقليمية ودولية وقبلها بمساعدة أبنائه، خاصة العاملين في الخارج، وإما الدخول في نفق مظلم لا يعلم سوى الله مداه ونهايته.